للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وبيان هذا فيما فصَّله في الذَّخيرة فقال: ولو سمَّى له شيئاً فرهنه بأقلِّ من ذلك أو أكثر فالمسألة على ثلاثة أوجه:

الأوَّل: إذا كانت قيمة الثَّوب مثل الدَّين المسمَّى، بأن كانت قيمة الثَّوب المستعار (١) عشرة والدَّين عشرة، وفي هذا الوجه إذا رهن بأقلِّ من العشرة أو بأكثر من العشرة يصير ضامناً للثَّوب.

والثاني: أن تكون قيمة الثوب أكثر من الدَّين المسمَّى، بأن كانت قيمة الثَّوب اثني (٢) عشر، والدَّين المسمَّى عشرة، وفي هذا الوجه إذا رهن بأكثر من الدَّين المسمَّى أو بأقل يضمن قيمة الثَّوب.

والثالث: أن تكون قيمة الثَّوب أقلَّ من الدَّين المسمَّى، بأن تكون قيمة الثوب تسعة، والدين عشرة، وفي هذا الوجه إن زاد (٣) على المسمَّى يضمن قيمة الثّوب، وإن نقص إن كان النقصان إلى تمام القيمة بأن رهن بتسعة لا يضمن شيئاً، وإن كان النقصان أقل من ذلك بأن رهن بثمانية يضمن قيمة الثوب (٤).

وبهذا يعلم: أن المعير لا يكون له تضمين المستعير بأكثر من قيمة الثوب المستعار للرهن في صورة من الصور، وكذا لا يكون له أيضاً تضمين المستعير لجميع (٥) قيمة الثوب إذا كانت قيمة الثوب أكثر من الدين بل له تضمين مقدار الدين وما زاد عليه يهلك أمانة، [كما] (٦) إذا وافق المستعير المعير فيما شرطه من مقدار الدين، كما لو كان الثوب ثوب الراهن، كان ما زاد على الدين يهلك أمانة.

والدَّليل على هذا أيضاً، ما ذكره في الذَّخيرة: أن رجلا أعار رجلاً شيئًا ليرهنه، وله حمل ومؤنة فرهنه يجب ردُّه على المعير؛ لأنَّ للمعير فيه منفعة؛ لأنَّه لو هلك ضمن المستعير فصار كالإجارة، قالوا: وفي (٧) هذا نظر؛ لأنَّ ردَّ العارية على المستعير وهذا من جملة العواري وما ذكر من الضَّمان فليس بمنفعة للمعير؛ لأنَّه إنَّما استحق على المعير (٨) قدر الدين دون الرَّهن وضمان الدِّرهم بمقابلة عين قيمته مائة درهم لا يعدُّ منفعة (٩).

بخلاف الإجارة؛ لأن منفعته تعود إلى الآجر حيث يأخذ العين بإزاء المنفعة، والعين خير من المنفعة، وكذا هذه المنفعة تحصل له على اعتبار سلامة العين فجاز أن تعتبر (١٠) في إيجاب مؤنة الردِّ عليه أخذاً من قوله: «له غنمه (١١) وعليه غرمه (١٢) (١٣)، (وَإِذَا خَالَفَ (١٤) كَانَ ضَامِناً (١٥) أي: كان ضامناً لقيمة الثَّوب؛ لأنَّه تصرف بغير إذنه فصار غاصباً وللمعير أن يأخذه من يد المرْتَهِنِ؛ لأنَّ الرَّهن لم يصح كذا في الإيضاح (١٦).


(١) كذا في (أ) وهي مثبتة بهامش (ب).
(٢) وفي (ب) (اثنا).
(٣) وفي (ب) (أراد).
(٤) يُنْظَر: حاشية ابن عابدين (٦/ ٥١٤)، تكملة رد المحتار (١/ ٧٦).
(٥) وفي (ب) (بجميع).
(٦) سقط في (ب).
(٧) وفي (ب) (وقال في).
(٨) وفي (ب) (المستعير).
(٩) يُنْظَر: فتاوى قاضي خان (٣/ ٦٠٥، ٦٠٦)، البحر الرائق (٧/ ٢٨٣).
(١٠) وفي (ب) (يعير).
(١١) معنى قوله: «غنمه»: أي: نماؤه، وفاضل كسبه، وغلته، وزيادته، من الولد، والثمرة، وغيرها من النتاج.
وقيل معناه: الزيادة للراهن إذا بيع الرهن بأكثر من الدين. يُنْظَر: المَبْسُوط، للسرخسي (٢١/ ٦٥)، بدائع الصنائع (٦/ ١٤٥)، الاختيار تعليل المختار (٢/ ٦٨)، تبيين الحقائق (٦/ ٦٤)، العناية شرح الهداية (١٤/ ٤٥٨)، الجوهرة النيرة (١/ ٢٨٧)، مجمع الأنهر (٤/ ٢٧١)، الاستذكار؛ لابن عبدالبر (٧/ ١٣٥)، التمهيد؛ لابن عبد البر (٦/ ٤٣٩)، الذخيرة؛ للقرافي (٨/ ٧٦)، شرح الزرقاني (٤/ ١٠)، الأم؛ للشافعي (٣/ ١٨٦)، مختصر المزني (١٠١)، الحاوي الكبير؛ للماوردي (٦/ ٢٠٤)، نهاية الزين (٢٤٥)، المغني؛ لابن قدامة (٤/ ٢٥١)، الكافي في فقه أحمد بن حنبل (٢/ ١٤٦)، الشرح الكبير؛ لابن قدامة (٤/ ٤٠٦)، شرح الزركشي (٢/ ١١٨)، كشاف القناع (٣/ ٣٣٩).
(١٢) معنى قوله: «غرمه»؛ الغُرْمُ لغة: أداء شيء لازم، يقال: غرم الشيء إذا أدى ما يفكه.
وقد اختلف الفقهاء في معناه الفقهي: فذهب الحنفية إلى أن معناه: عليه نفقته، ومؤنته، ونقصانه إذا بيع بأقل من الدين. وذهب المالكية إلى أن معناه: عليه نفقته، ومؤنته. وذهب الشافعية، والحنابلة إلى أنه معنا: عليه عطبه، وهلاكه، ونقصانه، ومؤنته راجع: المصادر السابقة.
(١٣) رواه ابن حبان في صحيحه (١٣/ ٢٥٨)، في (كتاب الرهن)، برقم (٥٩٣٤). ورواه الدراقطني (٣/ ٣٢)، في (كتاب البيوع)، برقم (١٢٦)، قال حدثنا أبو محمد بن صاعد نا عبدالله بن عمران العابدي نا سفيان بن عيينة عن زياد بن سعد عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «لا يغلق الرهن له غنمه وعليه غرمه» ثم قال: وهذا إسناد حسن متصل.
(١٤) أي: المستعير.
(١٥) بداية المبتدي (٢٣٦).
(١٦) يُنْظَر: بدائع الصنائع (٦/ ١٣٦)، البناية شرح الهداية (١٣/ ٣٠).