للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فإن قيل: أليس أنَّ المستعير إذا خالف بمجاوزة المكان لم يبرأ (١) عن الضمان ما لم تصل العين إلى صاحبه، وهذا مستعير قد خالف كيف يبرأ (٢) عن الضمان قبل وصول المال إلى صاحبه؟

قلنا: لأنَّ يد (المُسْتَعِيرِ (٣) (يَدُ نَفْسِهِ (٤) فبالعود إلى المكان المشروط لا يصير رادًّا (٥) للعين على صاحبه لا حقيقة ولا حكمًا، بخلاف المودَع: فإن يده كيد المالك فبالعود إلى الوفاق يصير أداء (٦) عليه حكمًا، وما نحن فيه نظير مسألة الوديعة؛ لأن تسليمه إلى المرْتَهِنِ يرجع إلى تحقيق مقصود المعير (٧) حتى لو هلك بعد ذلك يصير دينه مقضيًّا فيستوجب (٨) للمعير الرجوع على الراهن بمثله فكان ذلك بمنزلة الرد عليه حكمًا، فلهذا (٩) برئ به من الضَّمان كذا في المَبْسُوط (١٠).

فإن قلت: [يشكل] (١١) على هذا الجواب ما لو افتكه الراهن ثم استعمله فهو ضامن ولو ترك الاستعمال ثم هلك بآفة (١٢) أخرى لا ضمان عليه أيضاً مع أنَّه لم يوجد الرد بعد الاستعمال إلى المعير أو إلى من (١٣) هو مقصود المعير وهو التسليم إلى المرْتَهِنِ.

قلت: إن لم يوجد ذانك (١٤)، وقد وجد الرد إلى من هو نائب المعير: وهو المستعير؛ لأنَّ الراهن الذي هو المستعير بعد انفكاك (١٥) مودَع، والمودَع يبرأ بالعود إلى الوفاق.

إلى هذا أشار في الذَّخيرة. وهذا كله مما اختاره الإمام شمس الأئمة السَّرَخْسِيُّ- رحمه الله-، وأمَّا شيخ الإسلام (١٦) -رحمه الله- فيقول: أنَّ هذه المسألة دلّت على أنَّ المستعير يبرأ عن الضَّمان بالعود إلى الوفاق، وهو اختيار شيخ الإسلام (١٧).


(١) وفي (ب) (يبرء).
(٢) وفي (ب) (يبرء).
(٣) الهداية شرح البداية (٤/ ١٥٠).
(٤) الهداية شرح البداية (٤/ ١٥٠).
(٥) وفي (ب) (ردا).
(٦) وفي (ب) (رادًّا) وهي الصواب لموافقتها سياق الكلام.
(٧) وفي (ب) (الغير).
(٨) وفي (ب) (يستوجب).
(٩) وفي (ب) (فلذلك).
(١٠) يُنْظَر: المَبْسُوط؛ للسرخسي (٢١/ ١٦٢).
(١١) زيادة في (ب).
(١٢) الآفة: العاهة، والجَائِحَة، وهي كل ما يصيب شيئاً فيفسده من عاهة أو مرض أو قحط.
يُنْظَر: الزاهر للأزهري (٢٠٤)، الصحاح؛ للجوهري (٤/ ١٩)، المعجم الوسيط (٣٢).
(١٣) وفي (ب) (ما)، وهي الصواب لموافقتها سياق الكلام.
(١٤) وفي (ب) (ذلك).
(١٥) وفي (ب) (الفكاك) وهي الصواب لموافقتها سياق الكلام.
(١٦) المقصود بشيخ الإسلام: خواهر زاده. كما صرح بذلك الامام السغناقي في (ص ٣٤٠)، وأيضا قال بدر الدين العيني في البناية (١٣/ ٣٥): وأما اختيار شيخ الاسلام خواهر زاده وهو أن المستعير يبرأ عن الضمان بالعود إلى الوفاق.
(١٧) هو الامام شيخ الإسلام أبي بكر محمد بن الحسين بن محمد بن الحسن البخاري، المعروف ببكر خواهر زاده، وكان من عظماء ماوراء النهر، قال السمعاني: كان إماما فاضلا حنفيا وله طريقة حسنة مفيدة جمع فيها من كل فن وكان يحفظها، وله كتاب المَبْسُوط (ت ٤٨٣ هـ).
يُنْظَر: تاج التراجم (١/ ٢٥٩)، الجواهر المضية (٢/ ٤٩).