للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكذلك: حق الدَّفع في الجارية الجانية، وحق الزكاة في النصاب بعد كمال الحول لم يسر إلى ولدها.

قلت: حق الكفالة عندنا يسري إلى الولد إذا كفلت أمة بإذن مولاها بمال ثم ولدت. فأما إذا كانت حرة فالحق بالكفالة يثبت في ذمتها والولد لا يتولد من الذمة.

وفي الغصب: إنما لا يثبت حكم الضمان في الولد عندنا لانعدام السبب الذي يجعل العين مضمونًا عليه وهو القبض (١) مقصودًا (٢).

ألا ترى أنَّ ولد المبيعة قبل القبض يسري إليه حكم البيع ولا يكون مضمونًا إن هلك لهذا المعنى.

وأما ولد المستأجرة: إنما لم يسر وصف الاستئجار؛ لأنَّ حق المستأجر (٣) في المنفعة لا في العين فلا يكون متأكدًا، ولهذا لا يسري إلى بدل العين فلا يسري إلى الولد لذلك.

ولأنَّ الحق إنما يسري إلى الولد إذا كان هو محلاً صالحًا لذلك الحق، والولد يحدث غير منتفع به فلا يكون محلاً صالحًا لحق المستأجر وذلك الولد محل صالح لحق المرْتَهِنِ؛ لأنه ينفصل مالاً متقومًا (٤) وحق المرْتَهِنِ في المال المتقوم فيسري إلى الولد.

وهذا هو العذر عن ولد المنكوحة، فإن حق النكاح لا يسري إليه؛ لأنَّه ليس بمحل للحل في حق الزوج وهو العذر أيضاً عن ولد الجارية الموصى بخدمتها؛ لأنَّه لا يكون محلاً صالحا (٥) للخدمة حين ينفصل.

وقد ذكرنا الجواب عن ولد الجانية: وهو أنَّ حق ولي الجناية ليس بمتأكِّد في العين فإن من عليه متفرد بإبطال الحق عن العين باختيار الفداء.

وأمَّا حق الزكاة: فإنَّه في الذمة لا في العين، فإنَّ المستحق فعل أشياء في الذمة ثم من عليه يملك الأداء من محل آخر فعرفنا أنه غير متأكد في العين فلا يسري إلى الولد، كذا ذكر في الباب الأول من رهن المَبْسُوط (٦).

فحصل من هذا كله أن قولهم: الأوصاف القارَّة في الأمَّهات تسري إلى الأولاد. محمول على أن تكون تلك الأوصاف من الأوصاف التي تثبت في الأم في جملتها كما في كونها مبيعة وحرَّةً وقِنَّةً (٧) ومكاتبة ومدبرة، لا في ذمتها كما في كفالة الحرة ولا في ذمة مالك الأم كما في الزكاة، وأن يكون الولد صالحًا لحكم ذلك الوصف كالبيع والتحرير على ما ذكرنا بخلاف الغصب والإجارة والنكاح والوصية بالخدمة؛ فإن الضمان بالغصب، إنما يتحقق بالقبض مقصودًا بغير حق وهو لم يوجد في حق الولد فلا يثبت حكم الغصب فيه وكذلك لا يسري وصف الإجارة والنكاح والوصية بالخدمة؛ لأنَّ الولد حين يولد غير صالح لحكم الإجارة والوصية بالخدمة؛ لأنَّه غير منتفع به وغير صالح لحكم النكاح في حق الزوج أبدًا ويكون رهنًا مع الأصل.


(١) وفي (ب) (الغصب).
(٢) يُنْظَر: العناية شرح الهداية (١٥/ ١٠٠)، البناية شرح الهداية (١٣/ ٥٢).
(٣) وفي (ب) (المستأجرة).
(٤) المال المتقوم: يستعمل في معنيين: الأول بمعنى ما يباح الانتفاع به. والثاني: بمعنى المال المحرز فالسمك في البحر غير متقوم وإذا اصطيد صار متقوما بالإحراز. يُنْظَر: مجلة الأحكام العدلية (١/ ٣١)، قواعد الفقه (٤٥٩).
(٥) وفي (ب) (يعد).
(٦) يُنْظَر: المَبْسُوط؛ للسرخسي (٢١/ ٧٦).
(٧) والقِنُّ: العبد إذا ملك هو وأبواه يستوي فيه الاثنان والجمع والمؤنث وربما قالوا: عبيد أقنان ثم يجمع على أقنة. قال ابن المطرز: وأمَّا (أمَة قنَّة) فلم أسمعه. وعن ابن الأعرابي: عبد قن: أي خالص العبودة، وعلى هذا صح قول الفقهاء لأنهم يعنون به خلاف المدبر والمكاتب. المغرب في ترتيب المعرب (٢/ ١٩٧). وينظر: الصحاح؛ للجوهري (٦/ ٣٤)، أنيس الفقهاء (١٥٢).