للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكذلك شبه العمد، فإن القصد به التأديب وهو مباح، والقتل بالحجر الكبير عند أبي حنيفة -رحمه الله- ليس بمحظور محض بالنظر إلى الآلة، فإنها ليست من آلة القتل فتمكن فيه الشبهة (١).

(وَتَعَيُّنُهَا فِي الشَّرْعِ لِدَفْعِ الأَدْنَى (٢) هذا جواب عن قياس الشَّافعي حيث قاس وجوب الكفارة في العمد على وجوب الكفارة في الخطأ أي: وتعين الكفارة في (الشَّرْعِ لِدَفْعِ الأَدْنَى (٣) أي: لدفع الذنب الأدنى وهو في [القتل] (٤) الخطأ (لَا يُعَيِّنُهَا لِدَفْعِ الأَعْلَى (٥) أي: لا يعين الكفارة لدفع الذنب الأعلى: وهو في القتل العمد، فإنه كم من شيء يتحمل الأدنى لقدرته عليه، ولا يتحمل الأعلى لعجزه عن ذلك (٦).

وذلك لأنا لو قلنا بوجوب الكفارة في العمد بالاستدلال على وجوب الكفارة في الخطأ لكان لا يخلو: إمَّا أن نقول بالقياس، أو بدلالة النص، وكل ذلك لا يصح؛ لأنَّ القياس: لا يجري في الكفارات (٧)، ولا وجه للقول بدلالة النص: لأنه لا مماثلة بين القتل العمد والقتل الخطأ وفي مثله في غير الكفارة لا يجري القياس فكيف تجري الدلالة التي تقتضي المماثلة من كل وجه أو الأولوية.

وذكر في ديات المبسوط: وقال الشَّافعي -رحمه الله-: المعنى في وجوب الكفارة بالقتل أنه نقص من عدد المسلمين أحدهم ممن كان يحضر الجُمَع والجماعات فعليه إقامة نفس مقام ما أتلف ولا يمكنه ذلك إحياءً فعليه إقامة النفس مقام النفس المتلفة تحريراً؛ لأنَّ الحرية حياة والرق (٨) تلف ولهذا أوجب الكفارة على العامد، وقلنا نحن إنما وجب (٩) عليه الكفارة؛ لأنَّ الشرع سلم له نفسه حين أسقط عنه القود بعد (١٠) الخطأ مع تحقق إتلاف النفس منه فعليه إقامة نفس مقام نفسه شكراً لله تعالى، وذلك في أن تُحرر نفساً لتشتغل بعبادة الله تعالى (١١).


(١) يُنْظَر: المبسوط؛ للسرخسي (٢٧/ ٨٦).
(٢) الهداية شرح البداية (٤/ ١٥٨).
(٣) الهداية شرح البداية (٤/ ١٥٨).
(٤) زيادة في (ب).
(٥) الهداية شرح البداية (٤/ ١٥٨).
(٦) يُنْظَر: العناية شرح الهداية (١٥/ ١٢٠)، البناية شرح الهداية (١٣/ ٦٩)، نتائج الأفكار (١٠/ ٢٢٧).
(٧) قال أبو المناقب: وذهب أصحاب أبي حنيفة: إلى أن القياس لا يجري في الكفارات، وهذا فاسد فإن مستند القول بالقياس إجماع الصحابة -رضوان الله عليهم- ولم يفرقوا بين حكم وحكم فيما يمكن تعليله، ولأنا نسائلهم ونقول: لا يجوز إجراء القياس فيها مع ظهور المعنى وتجليه أم مع عدم ظهوره؟ إن قلتم مع ظهوره وتجليه فهو تحكم، وصار بمثابة قول القائل: أنا أجري القياس في مسألة ولا أجريه في مسألة مع ظهور المعنى فيهما وتجليه، وإن قلتم: مع عدم ظهور المعنى فنحن وإياكم في ذلك على وتيرة واحدة. تخريج الفروع على الأصول (ص ١٣٢). وينظر: المستصفى (ص ٣٣١).
(٨) الرق: هو الضعف، ومنه رقة القُلب، والرقة؛ خلاف الغلظة، ويطلق الرق على العبودية، والملك، يقال: رقَّ فلان؛ أي: صار عبداً، ورققت العبد، أرقه فهو مرقوق؛ أي ملكته، والرقيق المملوك. يُنْظَر: تهذيب اللغة (٨/ ٢٣٠)، المغرب في ترتيب المعرب (١/ ٣٤٢)، لسان العرب (١٠/ ١٢٤)، تاج العروس (٢٥/ ٣٥٧). واصطلاحاً: عجز حكمي، شرع في الأصل جزاءً عن الكفر. أو هو ضعف حكمي، يصير به الآدمي محلاً للتملك. يُنْظَر: التعريفات؛ للجرجاني (١٤٨)، التعاريف (٣٧٠)، الكليات (٤٧٥)، دستور العلماء (٢/ ١٠٢).
(٩) وفي (ب) (أوجب)، وهي الصواب لموافقتها سياق الكلام.
(١٠) وفي (ب) (بعذر)، ولعلها الصواب.
(١١) يُنْظَر: المبسوط؛ للسرخسي (٢٧/ ٨٦).