للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثم وجه ترجيح المعنى الذي ذكرنا على المعنى الذي ذكره الشافعي -رحمه الله-: هو أنه لو قَتَلَ مُستأمنًا (١) (٢) أو ذميَّا (٣) خطأ تلزمه الكفارة أيضًا وما نقص بقتله من عدد المسلمين أحدهم علم بهذا أن المعنى فيه هو أن الشرع لما عذره في الخطإ وسلم له نفسه ولم يلزم عليه القصاص مع وجود القتل منه أوجب عليه أن يقيم نفساً مقامه شكراً لله تعالى.

فإن قلتَ: وَصِفَةُ العَمْدِيَّة في القتلِ غير مانعة لوجوب الكفارة كما في قتل المحرم الصيد عمدًا وربما يطرد الشافعي -رحمه الله- هذا ويقول: هذه الكفارة كفارة قتل (٤) فيجب في عمده كما يجب في خطئه قياساً على المحرِم إذا قتل صيدًا وكذلك يتمسّك بالكتاب والسنة أيضاً.

أمَّا الكتاب: فقوله تعالى: {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} (٥) والمراد بالخطأ هنا ما يضاد الصواب، كما في قوله تعالى: {إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا} (٦) أي ضد الصواب، والعمد ضد الصواب فتتناوله الآية والدليل عليه قوله تعالى: {فَإِنْ (٧) كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ} (٨) الآية، وإنما يقتل المرءُ (٩) عدوه عمدًا فعرفنا أن المراد إيجاب الكفارة بالقتل العمد.


(١) وفي (ب) (مستأماً).
(٢) المستأمن لغةً: مشتق من الأمان، والأمان ضد الخوف، وهو مصدر أمِنَ، أماناً، وأمْناً، والمستأمن من دخل في أمان شخص. يُنْظَر: العين (٨/ ٣٨٨)، الصحاح؛ للجوهري (٥/ ٣٤٩)، المحكم والمحيط الأعظم (١٠/ ٤٩٢)، لسان العرب (١٣/ ٢١). واصطلاحاً: من دخل دار الإسلام بأمان يطلبه. يُنْظَر: تحرير ألفاظ التنبيه (٣٢٥)، درر الحكام شرح غرر الأحكام (٣/ ٣٧٢)، أنيس الفقهاء (١٨٥).
(٣) الذمَّة: الأمان، والذميُّ: المعاهد الذي أعطى عهدا يأمن به على ماله و عرضه و دينه، وعلى جزيةٍ يؤديها. قال الزبيدي: ورجل ذمي أي: له عهْد. وقال الجوهَري: أهلُ الذمة: أهلُ العقْد. قلتُ: وهم الذين يُؤدُّون الجزْية من المُشْركين كلّهم. وسُمّي الذّمِّي، لأنّه يدْخُل في أمانِ المُسلمين. تاج العروس (٣٢/ ٢٠٥، ٢٠٦).
وينظر: تهذيب اللغة (١/ ٩٩)، الصحاح؛ للجوهري (٥/ ٢٠٤)، لسان العرب (٣/ ٣١٢)، المعجم الوسيط (١/ ٣١٥).
(٤) كذا في (أ) وهي مثبتة بهامش (ب).
(٥) سورة النساء من الآية (٩٢).
(٦) سورة الإسراء من الآية (٣١).
(٧) في (أ) و (ب) (وإن)، وهي خطأ.
(٨) سورة النساء من الآية (٩٢).
(٩) وفي (ب) (المرؤ).