للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأمَّا السنة: فهي حديث واثَلةَ بن الأسْقَعِ (١) قال أتينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لصَاحب (٢) لنا قد استوجب النار بالقتل فقال: «أعتقوا عنه رقبة يعتق الله بكل عضو عضوًا منه من النار» (٣) وإيجاب النار إنما يكون بالقتل العمد (٤).

قلتُ: أما الجواب عن قتل الصيد فقلنا: إنه كفارة ارتكاب محظور الإحرام لا كفارة القتل.

ألا ترى أنها تجب بإتلاف العضو والإشارة والأخذ بلا قتل فلم يصح الجمع وكلامنا في كفارة القتل؛ ولأن قتل الصيد وأخذه عمدًا كان أو خطأ، لا يخلو عن معنى الإباحة؛ لأن الصيد في نفسه بين مباح ومحظور فإنه مباح بأصل الخلقة للناس أجمع محظور بأمن (٥) ثبت له بالإحرام فيصلح سبباً.

أمَّا قتل الآدمي في نفسه بأصل الخلقة محظور؛ لأن المحل لم يخلق مباح التناول فلم تثبت الإباحة إلا بعارض سبب من خطإ أو جناية يرتكبها.

فإن قيل: إذا قتل رجلاً عليه قصاص عمدًا فلا (٦) كفارة عليه وقد صار مباحاً من وجه كالصيد للمحرم.

قلنا: لا إباحة بوجوب القصاص بل هو معصوم كما كان، إلا أن للولي قتله بحقه لا بإباحة كما يستوفي الدين من ماله المعصوم بحقه لا بصيرورة المال مباحًا كذا في الأسرار.


(١) أبو الأسقع وقيل كنيته أبو قرصافة، واثلة بن الأسقع بن كعب بن عامر بن ليث بن بكر الليثي -رضي الله عنه-، وقيل: واثلة بن الأسقع بن عبد العزى بن عبد ياليل بن ناشب الليثي من أصحاب الصفة، أسلم سنة تسع وشهد غزوة تبوك وكان من فقراء المسلمين -رضي الله عنه- وهو ممن طال عمره. وسكن الشام وحديثه عند أهلها، وله مسجد مشهور بدمشق. قال قتادة: آخر من مات من الصحابة بدمشق واثلة بن الأسقع. مات سنة ثلاث وثمانين وهو ابن مئة سنة وخمس سنين، وقيل: مات سنة خمس وثمانين.
يُنْظَر: الأنساب (٥/ ١٥١)، سير أعلام النبلاء (٣/ ٣٨٣)، الوافي بالوفيات (٢٧/ ٢٤٣).
(٢) وفي (ب) (بصاحب)
(٣) رواه مسلم (٢/ ١١٤٨)، في (كتاب العتق)، في (باب فضل العتق)، برقم (١٥٠٩)، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- يقول: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- «أيُّمَا امرِئٍ مُسلِمٍ أَعتَقَ امرَأً مُسلِمًا استَنْقَذَ الله بِكلِّ عُضوٍ منه عُضوًا منه من النّارِ»، ورواه أحمد (٣/ ٤٩٠)، برقم (١٦٠٥٥)، بلفظ «أعتقوا عنه يعتق الله عز وجل بكل عضو عضوا منه من النار».
(٤) يُنْظَر: المبسوط؛ للسرخسي (٢٧/ ٨٥)، العناية شرح الهداية (١٥/ ١٢١).
(٥) وفي (ب) (بأمر)، وهي الصواب لموافقتها سياق الكلام.
(٦) وفي (ب) (لا).