للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وإن تعمد الضرب بما لم يكن الهلاك منه غالباً كالسَّوط الصَّغير، فإن لم يوالِ في الضربات فهو شبه العمد عندهما بلا خلاف.

وإن والى في الضرب فقد اختلف المشائخ فيه على قولهما، بعضهم قالوا: أنه عمد محض وبعضهم قالوا: أنه شبه العمد، وكذلك لو ألقاه من جبل، أو سطح أو غرَّقه في الماء فهو شبه عمد يوجب الدية [عنده] (١) خلافاً لهما.

ولو خنق الرجل الرجل فمات فهو شبه عمد (٢) لا قصاص فيه إلا أن يكون معروفاً بذلك فحينئذٍ يقتل؛ لأنه ساع في الأرض بالفساد (٣).

وإذا أدخل الرجل إنسانًا في بيت حتى مات جوعًا أو عطشاً لا يضمن شيئاً عند أبي حنيفة -رحمه الله-.

وعندهما: يجب عليه الدية؛ لأنَّ الجوع سبب مفض إلى الموت وهو قائم إلا أنه يدفع ذلك عن نفسه بالأكل فإذا منع الطعام عنه (٤) صار مسبباً للتلف بمنزلة حفر البئر.

وأبو حنيفة -رحمه الله- يقول: التلف حصل عن معنى فيه وهو الجوع أو العطش وإنما يدفع ذلك بالطعام والماء فهذا منع ما يدفع به الهلاك عن نفسه وهذا لا يعد تسبيباً إلى التلف كذا في الذَّخيرة والمغني (٥).

وذكر في المبسوط: فأمَّا العصاء (٦) الصَّغير إذا والى به في الضربات حتى مات لم يلزمه القصاص عندنا، وعلى قول الشَّافعي - رحمه الله - يجب (٧)، وأصحابنا استدلوا بحديث النعمان (٨) بن بشير (٩) أن النَّبي -عليه السلام- قال: «أَلا إِنَّ قَتيلَ خَطَأِ العَمدِ، قَتِيل السَّوطِ وَالعَصَا (١٠) الحديث (١١). والمعنى فيه: أنَّ القتل حصل بمجموع أفعال لو حصل بكل واحد منها على الانفراد لا يتعلق به القصاص فكذلك إذا حصل بمجموعها كما لو جرح رجلاً (١٢) جراحات خطأ أو اشترك جماعة في قتل رجل خطأ (١٣).


(١) زيادة في (ب).
(٢) وفي (ب) (العمد).
(٣) وقد روى ابن أبي شيبة في مصنفه (٥/ ٤٢٣)، في (كتاب الديات)، في (باب الرجل يخنق الرجل)، برقم (٢٧٦٢٣)، عن جابر عن عامر قال: «إذا خنق الرجل الرجل فلم يرفع عنه حتى يقتله فهو قود، وإذا رفع عنه ثم مات فدية مغلظة».
(٤) وفي (ب) (منه).
(٥) يُنْظَر: المبسوط؛ للسرخسي (٢٦/ ١٥٢، ١٥٣)، العناية شرح الهداية (١٥/ ١٢٣)، البناية شرح الهداية (١٣/ ٧٠)، الجوهرة النيرة (٢/ ٢٠٥)، حاشية ابن عابدين (٦/ ٥٤٣).
(٦) وفي (ب) (العصا)، وهي الصواب.
(٧) وبه قال المالكية والحنابلة. يُنْظَر: شرح مختصر خليل (٨/ ٧)، الشرح الكبير؛ للدردير (٤/ ٢٤٢)، حاشية الدسوقي (٤/ ٢٤٦)، الأم؛ للشافعي (٦/ ٦)، الحاوي الكبير (١٢/ ٢١٥)، جواهر العقود (٢/ ٢٠٥)، العدة شرح العمدة (٥٢٦)، الشرح الكبير؛ لابن قدامة (٩/ ٣٢٢)، الإقناع؛ للحجاوي (٤/ ١٦٤).
(٨) وفي (ب) (النعمن).
(٩) النعمان بن بشير بن سعد بن ثعلبة الأنصاري الخزرجي -رضي الله عنهما-، أول مولود في الأنصار بعد قدوم النبي -صلى الله عليه وسلم- ولد السنة الثانية من الهجرة، له ولأبويه صحبة، سكن الشام ثم ولي إمرة الكوفة ثم قتل بحمص سنة خمس وستين وله أربع وستون سنة.
يُنْظَر: الثقات؛ لابن حبان (٣/ ٤٠٩)، سير أعلام النبلاء (٣/ ٤١١)، تهذيب التهذيب (١٠/ ٣٩٩)، الإصابة في تمييز الصحابة (٦/ ٤٤٠).
(١٠) الهداية شرح البداية (٤/ ١٥٩).
(١١) رواه النسائي (٤/ ٢٣١)، في (كتاب القسامة)، في (باب كم دية شبه العمد)، برقم (٦٩٩٤)، عن عبد اللَّهِ بن عَمْرٍو عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «قَتِيلُ الخطأ شِبْهِ الْعَمْدِ بالسَّوْطِ أوَ الْعَصَا … ». ورواه ابن ماجه (٢/ ٨٧٧)، في (كتاب الديات)، في (باب دية شبه العمد المغلظة)، برقم (٢٦٢٧) نحوه. ورواه أبو داود (٤/ ١٨٥)، في (كتاب الديات)، في (باب في الخطأ شبه العمد)، برقم (٤٥٤٧) نحوه.
قال ابن القطان في كتابه بيان الوهم والإيهام في كتاب الأحكام (٥/ ٤١٠): (هو حديث صحيح من رواية عبدالله بن عمرو بن العاص ولا يضره الاختلاف الذي وقع فيه).
(١٢) وفي (ب) (رجلان).
(١٣) يُنْظَر: المبسوط؛ للسرخسي (٢٦/ ١٢٤).