للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكان مالك (١) -رحمه الله- يقول: لا أدري ما شبه العمد، وإنما القتل عمد وخطأ (٢). وهذا فاسد فإن شبه العمد مما ورد الشَّرع به على ما رواه النعمان (٣) بن بشير -رضي الله عنهما- أنَّ النَّبي -عليه السلام- قال: «ألا إنَّ قتيل خطأ العمد قتيل السّوط [والعصا] (٤) وفيه مائة من الإبل أربعون فيها خلفة في بطونها أولادها» (٥) والصحابة -رضي الله عنهم- أبقوا (٦) على شبه العمد حين أوجبوا فيه الدية مغلظة مع اختلاف بينهم في صفة التَّغليظ ذكره في المبسوط (٧).

ثم التمسك لأبي حنيفة -رحمه الله- بهذا الحديث بطريق الدلالة: (٨) وهو [أنهم] (٩) لما اتفقوا على أنَّ القتل بالسوط والعصا الصغيرة غير موجب للقصاص باعتبار أن كل واحد منهما غير مؤثر في الظاهر فلذلك (١٠) العصا الكبيرة، أو أن السوط والعصا الصغيرة ليس (١١) بآلة موضوعة للقتل فكذا العصا الكبيرة؛ لأنَّ الآلة الموضوعة للقتل هي السيف والآلات الجارحة فلما استوتا (١٢) [أعني] (١٣) العصا الصغيرة والكبيرة من هذين الوجهين استويا في حق الحكم، ثم أبقوا (١٤) على حكم العصا الصغيرة في أنَّها لا توجب القصاص فكذا العصا الكبيرة والذي في معناه (١٥) من الحجر العظيم والجذع الجسيم (١٦).

(وَبِهِ يَحْصُلُ القَتْلُ (١٧) أي: وبالاستعمال على (غِرَّةٍ مِن المَقْصُودِ (١٨) بالقتل يحصل القتل غالباً ولا يحصل ذلك إلا بآلة موضوعة للقتل كالسيف والسكين.

وفي المبسوط (١٩) ولأبي حنيفة -رحمه الله- ما روي عن النبي -عليه السلام- أنَّه قال: «كل شيء خطأ إلا السَّيف، وفي كل خطإ الدية» (٢٠)، وفي حديث الحجَّاجِ بن أَرْطَأَةَ (٢١) -رضي الله عنه-: «أن رجلاً قتل رجلاً على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -[بالحجارة] (٢٢) فقضى عليه بالدية» (٢٣) والمعنى فيه: أنَّ هذه الآلة لا تجرح ولا تقطع فالقتل بها لا يكون موجباً للقصاص كالقتل بالعصا الصغيرة.


(١) وفي (ب) (ذلك).
(٢) يُنْظَر: المدونة الكبرى (١٦/ ٣٠٦).
(٣) وفي (ب) (النعمن).
(٤) سقط في (ب).
(٥) سبق تخريجه (ص ٢١٧).
(٦) وفي (ب) (اتفقوا)، وهي الصواب لموافقتها سياق الكلام.
(٧) يُنْظَر: المبسوط؛ للسرخسي (٢٦/ ٦٥).
(٨) وفي (ب) (الدلاية).
(٩) زيادة في (ب).
(١٠) وفي (ب) (فكذلك)، وهي الصواب لموافقتها سياق الكلام.
(١١) وفي (ب) (ليست).
(١٢) وفي (ب) (استويا).
(١٣) سقط في (ب).
(١٤) وفي (ب) (اتفقوا)، وهي الصواب لموافقتها سياق الكلام.
(١٥) وفي (ب) (معناها).
(١٦) وفي (ب) (العظيم).
(١٧) الهداية شرح البداية (٤/ ١٥٩).
(١٨) الهداية شرح البداية (٤/ ١٥٩).
(١٩) المبسوط؛ للسرخسي (٢٦/ ١٢٢، ١٢٣).
(٢٠) رواه أحمد (٤/ ٢٧٥)، برقم (١٨٤٤٧)، عن جابر الجعفي عن أبي عازب قال: دَخَلنَا على النُّعمَانِ بن بشِيرٍ في شهَادَةٍ فَسَمِعتُهُ يقول: قال رسول اللّهِ -صلى الله عليه وسلم- أو سمعته يقول: سمعت رسُولَ اللّهِ -صلى الله عليه وسلم- يقول: «كلُّ شيء خطَأٌ الا السَّيفَ وفي كل خطأ أَرشٌ». ورواه الدارقطني (٣/ ١٠٦)، في (كتاب الحدود والديات وغيره)، برقم (٨٤) عن جابر عن أبي عازب عن النعمان بن بشير عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «كل شيء خطأ إلا السيف وفي كل شيء خطأ أرش». قال في نصب الراية (٤/ ٣٣٢) قال البيهقي في المعرفة: والحديث مداره على جابر الجعفي وقيس بن الربيع وهما غير محتج بهما. وقال ابن حجر في لسان الميزان (٦/ ٣١): وجابر لا شيء ولعل الخبر موقوف.
(٢١) أبو جعفر الحجاج بن أرطأة بن ثور بن هبيرة النخعي، من أهل الكوفة، يروي عن عطاء وعمرو بن دينار وروى عنه شعبة والثوري، خرج مع المهدي إلى خراسان فولاه القضاء، وكان مع المنصور في وقت بناء مدينته ونصب قبلة مسجدها، وهو أول من ولي القضاء لبني العباس بالبصرة، وكان فيه تيه كثير. قال أحمد العجلي: كان فقيها أحد مفتي الكوفة وكان فيه تيه فكان يقول: أهلكني حب الشرف، وقال أحمد بن حنبل: كان حجاج يدلس فإذا قيل له من حدثك يقول: لا تقولوا هذا قولوا من ذكرت وروى عن الزهري ولم يره. مات في الري سنة خمس وأربعين ومئة. يُنْظَر: الأنساب (٥/ ٤٧٤)، وفيات الأعيان (٢/ ٥٥)، سير أعلام النبلاء (٧/ ٦٩، ٧٣).
(٢٢) سقط في (ب).
(٢٣) ذكره بهذا اللفظ الإمام السرخسي في المبسوط (٢٦/ ١٢٢)، ولم أجده. وفي سنن أبي داود (٤/ ١٨٥)، في (كتاب الديات)، في (باب الدية كم هي)، برقم (٤٥٤٦)، عن عكْرِمَةَ عن بن عبَّاسٍ: «أنَّ رَجلًا من بَني عَديٍّ قُتِلَ فجَعَلَ النبي -صلى الله عليه وسلم- ديَتَهُ أثنى عشَرَ أَلفًا». قال أبو دَاود رواه بن عيَيْنَةَ عن عَمْرو عن عكْرِمَةَ عن النبي صلى الله عليه وسلم لم يذكر ابن عبَّاسٍ. وفي سنن النسائي (٤/ ٢٣٤)، في (كتاب القسامة)، في (باب ذكر الاختلاف على خالد الحذاء)، برقم (٧٠٠٧)، عن عكرمة عن بن عباس قال: «قتل رجل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل النبي صلى الله عليه وسلم ديته اثني عشر ألفا». وفي سنن الدارقطني (٣/ ١٣٠)، في (كتاب الحدود والديات وغيره)، برقم (١٥٢) عن عكرمة عن بن عباس: «أن رجلا قتل رجلا على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فجعل النبي -صلى الله عليه وسلم- ديته اثنا عشر ألفا».