للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وتحقيقه من وجهين:

أحدهما: أنَّ وجوب القصاص يختص بقتل هو عمد محض وصفة التمحض (١) أن يباشر الفعل باليد في محله وآلة القتل هي الآلة الجارحة؛ لأن الجرح يعمل في نقض البينة ظاهراً وباطناً وما سواه مما يدق (٢) بنقض البينة باطناً لا ظاهراً وقوام البينة بالظاهر والباطن جميعًا فالقتل الذي هو نقض البينة إذا كان ممّا يعمل في الظاهر والباطن يكون قتلاً من كل وجه.

وإذا كان ما (٣) يعمل في الباطن دون الظاهر يكون قتلاً من وجه دون وجه والثابت من وجه دون وجه يكون قاصراً في نفسه فيصلح أن يجب به ما يثبت مع الشبهات ولا يصلح أن يجب به ما يندرئ بالشبهات فلذلك وجب به الدية دون القصاص.

والوجه الآخر: أن آلة القتل الحديد قال الله تعالى: {وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ} (٤) والمراد القتل وكذلك خزائن أسلحة الملوك تكون من الحديد وأمَّا الخشب والأحجار تعد للأبنية والحديد هو المستعمل في القتال.

ألا ترى أن الحديد إذا حصل القتل به وجب القصاص صغيراً كان أو كبيراً حتى لو غرز بإبرة في مقتله يلزمه القصاص، وما سوى الحديد الصغير منه لا يوجب القصاص وإن تحقق به القتل والفعل (٥) لا يتم إلا بآلته فبقصور في الآلة تتمكن شبهة النقصان في القتل (٦) وذلك يمنع وجوب القصاص.

فعلى هذا الطريق نقول: القتل بمثقل الحديد يوجب القصاص نحو ما إذا ضربه [بعمود] (٧) حديد (٨) أو بسنجات (٩) الميزان؛ لأنَّ الحديد في كونه آلة للقتل منصوص عليه وفي المنصوص عليه يعتبر عين النص فأمَّا في غير المنصوص عليه الحكم يتعلق بالمعنى فيعتبر كونه محددًا نحو شق العصا والمروة (١٠) وليطة القصب ونحو ذلك.

وعلى الطريق الأول نقول: لا يجب القصاص إلا بما هو محدد الحديد وغيره فيه سواء لاشتراط الجرح فيه وهو رواية الطحاوي (١١).


(١) وفي (ب) (المحض).
(٢) وفي (ب) (عائدة).
(٣) وفي (ب) (مما)، وهي الصواب، وهكذا جاءت في مبسوط السرخسي.
(٤) سورة الحديد من الآية (٢٥).
(٥) وفي (ب) (والقتل).
(٦) وفي (ب) (الفعل).
(٧) سقط في (ب).
(٨) وفي (ب) (بحديد).
(٩) وفي (ب) (بصنجات).
(١٠) المرو: حجارة بيض براقة تُقْدح منها النار، واحدها: مروة، وبها سميت: المروة بمكة. يُنْظَر: تهذيب اللغة (١٥/ ٢٠٤)، المحكم والمحيط الأعظم (١٠/ ٣٣٦)، لسان العرب (١٥/ ٢٧٥)، تاج العروس (٣٩/ ٥٢٠).
(١١) يُنْظَر: المبسوط؛ للسرخسي (٢٦/ ١٢٢، ١٢٣).