للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فإن قلت: لو زاد الخصم فيما تمسك في الكتاب بقوله تعالى: {الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ} (١) وقال هذا تفصيل لما ذكر من المطلق في صدر الآية وهو قوله: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ} (٢) فاقتصر الأمر عليه كقولك: في الكيس مال دراهم ودنانير فإنه نص أن لا مال فيه سواهما.

وعن علي -رضي الله عنه-: «من السُّنَّة (٣) أن لا يقتل الحر بالعبد» (٤)، والمعنى فيه أن هذا أحد نوعي القصاص فلا يجب على الحر بسبب المملوك كالقصاص في الأطراف بل أولى؛ لأنَّ حرمة الطرف دون حرمة النفس فالأطراف تابعة للنفس فإذا كان طرف الحر [لا] (٥) يقطع بطرف العبد مع خفة حرمة الطرف فلَأَن لا يقتلَ الحر بالعبد مع عِظم حرمة النفس كان أولى.

ولأنَّ القصاص يُبنى (٦) على المساواة ولا مساواة بين الأحرار والعبيد فإنَّ العبد مملوك مالاً والحر مالك والمالكيَّة في نهاية العز والمملوكيَّة في نهاية الذُّل فأَنَّى يتساويان ما جوابنا عنه.

قلت: [أما الجواب] (٧) عن الآية: فإن صدر الآية حجتنا في العمل بالعموم المتناول للحر والعبد، وأما التفصيل لحق بآخر الآية فلا يغير حكم أولها (٨) وقولهم: أنه تفسير فلا كذلك، بل ورد لرد ما زعموا على (٩) ما ذكرنا في سبب نزول الآية والدليل على ذلك أنَّ الذَّكر يقتل بالأنثى فلو كان تفصيلاً لما قبله لما جاز قتل الذَّكر بالأنثى.


(١) سورة البقرة من الآية (١٧٨).
(٢) سورة البقرة من الآية (١٧٨).
(٣) قول الصحابي: من السنة، محمول على سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيكون في حكم المرفوع. ونقل ابن عبد البر فيه الاتفاق.
يُنْظَر: قواطع الأدلة (١/ ٣٨٨)، الإحكام؛ للآمدي (٢/ ١١٠)، مقدمة ابن الصلاح (٥٠)، الأذكار؛ للنووي (١٢٤)، فتح الباري؛ لابن حجر (١/ ٥٢٣)، نزهة النظر (١٣٥).
(٤) رواه الدارقطني (٣/ ١٣٣)، في (كتاب الحدود والديات وغيره)، برقم (١٦٠)، بلفظ «ومن السنة أن لا يقتل حر بعبد». ورواه البيهقي (٨/ ٣٤)، في (باب لا يقتل حر بعبد)، برقم (١٥٧١٦)، بلفظ «من السنة أن لا يقتل حر بعبد». قال في البدر المنير: وهو ضعيف لوجهين: أحدهما أن في إسناده جابر الجعفي، وثانيهما: أنه ليس بمتصل.
(٥) سقط في (ب).
(٦) وفي (ب) (ينتهي).
(٧) سقط في (ب).
(٨) وفي (ب) (بأولها).
(٩) وفي (ب) (لرده أن عموم).