للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قلت: الفرق بينهما هو أن الحد محض حق الله تعالى وهو جزاء على ارتكاب ما هو حرام محض فعند إضافة الولد إلى الوالد يزداد معنى الحرمة فلا يسقط الحد به فلهذا سقط (١) الحد عنه إذا وطئ جارية الابن لأنَّ إضافة الجارية إليه بالملكية وحقيقة الملك فيها توجب الحل فظاهر الإضافة توجب شبهة أيضاً، أو لأنَّ اللام في قوله -عليه السلام-: «أنت ومالك لأبيك» (٢) لام تمليك.

وإنما يوجب شبهة الملك فيما هو محل الملك لا في الحرة التي ليست بمحل والفقه في المسألة نوعان:

أحدهما: أن القصاص لو وجب للقاتل حقيقة لم يجب كما في قتل العبد فإذا تمكَّنت شبهة الوجوب للقاتل لم يجب ما يسقط بالشبهة هنا (٣) يجب للابن مما يملك ويورث فيثبت للأب فيه شبهة الملك [فبشبهة الملك] (٤) يسقط ما يسقط بالشبهة، حتى إذا زنى بأمة ولده لا يجب الحد لشبهة الملك فيها، والقصاص مما يورث فيثبت شبهة الملك لابنه (٥) فيسقط لأنه مثل حد الزنا في السقوط بالشبهة.

والثاني: أن فضيلة الأبوَّة تحرِّم على الابن التعرض للأب بالقتل والجرح وإن كان محقاً في الجملة كما لا يقتله على الردة والزنا والكفر.

فإن قلت: ما تقول فيمن قتل ولده عمدًا وولده مملوك لإنسان آخر، وفيه أيضاً لا يجب القصاص مع أنَّ ولاية استيفاء القصاص للمولى وليس للمولى هذه المعاني التي ذكرتها في حق الابن.

قلت: إنما لا يجب القصاص؛ لأنَّ وجوب القصاص للمولى بطريق الخلافة عن المقتول فإنه ينزل من مملوكه منزلة وارث الحر منه فلو ورث الحر قصاص الولد على الأب كان لا يملك استيفاء القصاص فكذا ههنا إلى هذا أشار في المبسوط والأسرار (٦).

ثم على الآباء والأجداد الدية بقتل الابن عمدًا في أموالهم في ثلاث سنين عندنا وعند الشَّافعي -رحمه الله- تجب الدية حالاً وإنما لا تعقله العاقلة (٧).

لقوله -عليه السلام-: «لا تعقل العاقلة عمداً» (٨) يعني: الواجب بالعمد.


(١) وفي (ب) (يسقط).
(٢) سبق تخريجه (ص ٢٤٥).
(٣) وفي (ب) (وهذا).
(٤) سقط في (ب).
(٥) وفي (ب) (لأبيه).
(٦) يُنْظَر: المبسوط؛ للسرخسي (٢٦/ ٩٦، ١٣٣).
(٧) يُنْظَر: المبسوط؛ للسرخسي (٢٦/ ١٥٨)، الدر المختار (٦/ ٦٤١)، الأم؛ للشافعي (٤/ ٢٩٢).
(٨) موطأ مالك (٣/ ٩)، في (كتاب الديات)، في (باب دية العمد)، برقم (٦٦٤). ورواه الدارقطني (٣/ ١٧٨)، في (كتاب الحدود والديات وغيره)، برقم (٢٧٧). ورواه البيهقي (٨/ ١٠٤)، في (كتاب الديات)، في (باب من قال لا تحمل العاقلة عمدا ولا عبدا ولا صلحا ولا اعترافا)، برقم (١٦١٣٨). قال الزيلعي في نصب الراية (٤/ ٣٩٩): روي هذا الحديث ابن عباس، موقوفًا عليه، ومرفوعًا، والمرفوع غريب. وقال عنه ابن حجر في الدراية (٢/ ٢٨٨): وأما المرفوع فلم أجده.