للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهذا اللَّفظُ كما ترى يدل على أنَّه ليس للزَّوجين حق في القصاص والدية جميعًا عندهما ولكن ما ذكر في المبسوط يدل على أن خلاف مالك في الزوجين في الدية لا غير.

وأما في حق القصاص ففيه خلاف ابن أبي ليلى في الزوجين؛ لأنَّه قال في المبسوط: ولكل وارث في دم العمد نصيب لميراثه يجوز فيه عفوه وصلحه، أمَّا الدية إذا وجبت بالقتل فلكل وارث فيها نصيب عندنا، وقال مالك: لا يرث الزوج والزوجة من الدية شيئاً، وكذا أيضاً في الإيضاح (١).

ثم قال بعد هذا في المبسوط: وكذلك يثبت حق الزَّوج والزَّوجة في القصاص عندنا وعلى قول ابن أبي ليلى لا يثبت حقهما في القصاص؛ لأنَّ سبب استحقاقهما العقد والقصاص لا يستحق بالعقد.

ألا ترى أن حق الموصى له لا يثبت في القصاص وهذا؛ لأنَّ المقصود في القصاص التَّشَفِّي والانتقام وذلك يختص به الأقارب الذين ينصر بعضهم بعضاً.

وحُجَّتنا في ذلك قول النَّبي -عليه السلام-: «من ترك مالاً أو حقاً فلورثته» (٢) والقصاص حقه؛ لأنَّه بدل نفسه فيكون ميراثًا لجميع ورثته كالدية، والدليل استحقاق الإرث بالزوجية كاستحقاقه بالقرابة حتى لا يتوقَّف على القبول ولا يرتد بالرد وبه فارق الوصية وبهذا يتبين أنَّ الاستحقاق ليس بالعقد [بل بحكم العقد] (٣) (٤).

وقال في الأسرار: القصاص يستوفيه الرجال والنساء (٥).

وقال الشَّافعي -رحمه الله-: لا حظَّ للنساء في الاستيفاء ولهنَّ حق العفو؛ لأنَّ المرأة ليست من أهل القتل لضعفهن؛ ولهذا لا تقتل الكافرة الأصلية، ولا تضرب عليهن الجزية الواجبة مكان القتل، فصارت في حق استيفاء القصاص كالصَّغيرة وإن كانت كبيرة ولكنَّها تملك العفو؛ لأنَّها كبيرة كما قلت أن المرأة لا تملك إنكاح نفسها وتملك الرد إذا نكحت (٦) بغير إذنها (٧).


(١) يُنْظَر: المبسوط؛ للسرخسي (٢٦/ ١٥٧).
(٢) متفق عليه، رواه البخاري (٢/ ٨٤٥)، في (كتاب الاستقراض وأداء الديون والحجر والتفليس)، في (باب الصلاة على من ترك دينا)، برقم (٢٢٦٨)، بلفظ «من ترك مالا فلورثته ومن ترك كلاًّ فإلينا». ورواه مسلم (٣/ ١٢٣٨)، في (كتاب الفرائض)، في (باب من ترك مالا فلورثته)، برقم (١٦١٩)، بلفظ «من ترك مالا فللورثة ومن ترك كلاًّ فإلينا».
(٣) سقط في (ب).
(٤) يُنْظَر: المبسوط؛ للسرخسي (٢٦/ ١٥٧، ١٥٨).
(٥) يُنْظَر: مختصر اختلاف العلماء (٥/ ١٣١)، الهداية شرح البداية (٤/ ١٦٧)، اللباب في الجمع بين السنة والكتاب (٢/ ٧٢٢).
(٦) وفي (ب) (أُنكحت).
(٧) يُنْظَر: تبيين الحقائق (٦/ ١١٤)، الفقه على المذاهب الأربعة (٥/ ١٣١).