للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قلت: وقع عندهما أن وجوب الدية إنما يكون بعد الموت لا غير، من غير شائبة تعلق بما قبل الموت.

بخلاف سائر الأموال فإن حق الورثة يتعلق بماله في ابتداء مرض الموت حتى نفد تصرفه في ثلث المال لا في الثلثين وبالموت يتقرَّر ما تعلق بموته فيستوي في إرثه جميع الورثة الذين يرثون بالنَّسب والسَّبب، وأمَّا الدية فوجوبها بعد الموت لا غير وحال وجوبها (١) لم يبق السبب وهو الزوجية فلذلك لا يرث الزوجان كل واحد منهما من الآخر عندهما.

وإنَّا نقول: لا كذلك بل الدية موروثة كسائر الأموال بالاتفاق (٢) فيجب أن تكون في حق الزوجين كذلك وذلك؛ لأنَّ الدية تجب للميت أولاً ثم تثبت للورثة ولا يقع للميت إلا بأن يسند الوجوب إلى سببه وهو الجرح، كمن يرمي صيدًا فيموت ثم يصيب السهم الصيد فإنه يورث عنه كمال آخر لهذا المعنى والدليل على أن حكم الدية كحكم سائر أموال الميت هو أن الرجل إذا أوصى بثلث ماله لرجل (٣) دخل ديته في تلك الوصية (٤).

لأنَّها بدل نفسه، أي: حصلت بمعنى في نفسه كسائر أمواله حتى تقضى منه ديونه فيرث منه جميع ورثته كسائر أمواله وأيَّد هذا المعنى ما روي عن علي -رضي الله عنه- «أنَّه كان يُقَسِّم الدية على من أحرز الميراث» (٥) هذا كله مما أشار إليه في المبسوط والأسرار (٦).


(١) وفي (ب) (وجوبه).
(٢) قال الشافعي في الأم (٧/ ١٤٨): وكان إجمَاعُ المُسْلِمِينَ أنَّ الدِّيةَ مَورُوثَةٌ. وقال ابن حزم في المحلى (١٠/ ٤٧٧): وَلَا خِلَافَ بين أَحَدٍ من الْأُمَّةِ كُلِّهَا في أَنَّ الدِّيَةَ مَوْرُوثَةٌ. وينظر: المدونة الكبرى (١٦/ ٤١٩)، العناية شرح الهداية (١٥/ ١٨٢).
(٣) وفي (ب) (رجلا).
(٤) يُنْظَر: العناية شرح الهداية (١٥/ ١٨٢).
(٥) لم أجده بهذا اللفظ، وروى البيهقي في السنن (١٠/ ٣٠٤)، في (كتاب العتق)، في (باب من قال من أحرز الميراث أحرز الولاء)، برقم (٢١٢٩٢) عن يزيد بن هارون أنبأ سفيان الثوري وشريك عن عمران بن مسلم بن رياح عن عبدالله بن معقل قال سمعت عليا -رضي الله عنه- يقول: «الولاء شعبة من النسب فمن أحرز الميراث فقد أحرز الولاء» ثم قال: كذا وجدته في هذه الرواية وهو خطأ وكأن يزيد حمل رواية الثوري على رواية شريك وشريك وهم فيه أو وهم فيه يزيد فمن دونه.
(٦) يُنْظَر: المبسوط؛ للشيباني (٤/ ٥١٣)، المبسوط؛ للسرخسي (٢٦/ ١٥٧)، تبيين الحقائق (٦/ ١١٤)، العناية شرح الهداية (١٥/ ١٨٢)، تكملة البحر الرائق (٨/ ٣٥٤).