للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قلت: أمَّا وجوب الضَّمان فلوجود التَّسبيب منه على القتل بطريق التعدِّي حيث أحدث في الطَّريق ما يتضرَّر به المارَّة فلما تسبَّب اهلاكه بطريق التعدِّي وجب الضَّمان لصيانة دم المتلف عن الهدر.

وأمَّا وجوب الكفارة وحرمان الإرث فجزاء قتل محظور ولا يوجد ذلك في التسبب؛ لأنَّه لا يمكن أن يجعل قاتلاً بإحداث ذلك ولا مقتول عند إحداثه ولا يمكن أن يجعل قاتلاً عند الإصابة فلعلَّ المحدث ميت عند الإصابة فكيف يكون الميِّت قاتلاً، والدَّليل عليه أن القاتل لا يكون إلا بفعل القتل والقتل نوعان: عمد وخطأ، والقتل العمد بهذا الطَّريق لا يتحقَّق.

فكذلك الخطأ وحرمان الإرث باعتبار توهم القصد إلى استعجال الميراث وذلك في العمد لا يشكل.

وفي الخطأ يحتمل أن يكون أظهر الخطأ من نفسه وهو قاصد إلى ذلك وهذا لا يتحقَّق في هذه المواضع وعلى هذا الأصل قال علماؤنا: الكفارة وحرمان الإرث لا تثبت في حق الصبي والمجنون بالقتل؛ لأنَّه جزاء قتل محظور وفعل الصبي لا يوصف بذلك؛ والجزاء شرعا مبني على الخطاب كذا في «المبسوط» (١).

(كَمَا إِذَا جَرَحَهُ سَبْعٌ وَإِنْسَانٌ (٢) أو جَرح هو نفسه وإنسان آخر أو جرحه عبدُه وإنسان آخر يضمن الإنسان الآخر النصف.

وعلى هذا أيضاً لو جلس غيره على ثوبه وهو لا يعلم في حال جلوسه ثم قام فَتَخَرَّق (٣) الثَّوب من قيامه وثِقَلِ الجالس.

أو وضع إنسان قدمه على مؤخر نعله في حال مشيته فرفع هو قدمه حتى تخرق النعل من فعله وثقل قدم آخر حيث يضمن الأجنبي النِّصف.

وكذلك قالوا: في رجل في يده ثوب لرجل آخر فجذبه صاحب الثَّوب من يده فتخرق الثوب ضمن الممسك نصف الخرق.

وقالوا: في صبي في يد أبيه جذبه رجل من يده والأب مستمسكه حتَّى مات فديته على الذي جذبه ويرثه أبوه لأنَّ الأب يمسكه بحق والجاذب متعدٍّ (٤).

وفرَّع عليه في «المنتقى» في مسألة الثَّوب لو جذب الذي ليس له الثَّوب فتخرق الثَّوب فهو ضامن لجميعه؛ لأنَّه لم يكن له مده.

ولو تجاذب رجلان صبيِّاً وأحدهما يدَّعي أنَّه ابنه والآخر يدَّعي أنَّه عبده فمات فالدية على الذي يدَّعي أنَّه عبده؛ لأنَّ المتنازعين في الصبي إذا زعم أحدهما أنَّه ابنه وزعم الآخر أنَّه عبده فمدَّعي البُنُوَّة أولى فصار إمساكه بحق وجذب الآخر بغير حق فيضمن (٥).


(١) يُنْظَر: المبسوط؛ للسرخسي (٢٧/ ٦).
(٢) الهداية شرح البداية (٤/ ١٩١).
(٣) خرقت الثوب: إذا شققته. يُنْظَر: العين (٤/ ١٤٩).
(٤) يُنْظَر: بدائع الصنائع (٧/ ٢٧٤)، الجوهرة النيرة (٢/ ٢٢٩)، مجمع الضمانات (٣٥٦)، الفتاوى الهندية (٦/ ٨٨).
(٥) يُنْظَر: بدائع الصنائع (٧/ ٢٧٤)، الجوهرة النيرة (٢/ ٢٢٨)، مجمع الضمانات (٣٠٤).