للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

(وَلَو لَمْ يُعْلَمْ أَيُّ طَرَفٍ أَصَابَهُ (١) جعل كأنَّه أصابه الطَّرفان كما لو جرحه إنسان وسَبُع ومات ضمن الرَّجل نصف الدية؛ لأنَّا نعلم أنه قتيل الجراحة، إلَّا أَنَّا لا ندري أنَّه قتيل أي جراحة، فجعلناه قتيل الجراحتين. كذا في «الذَّخيرة» و «الجامع الصَّغير» للإمام المحبوبي (٢).

(فَالضَّمَانُ عَلَى البَائِعِ (٣)؛ (لأَنَّ فِعْلَهُ وَهُوَ الوَضْعُ لَم يَنْفَسِخْ بِزَوَالِ مِلْكِهِ وَهُوَ المُوْجِبُ (٤) وكذلك في الجناح وجدت الجناية من البائع في شغل هواء المسلمين بالجناح وبالبيع لم يُزل هذا الشُّغل فبقيت جنايته على حالها.

فإن قيل: المشتري جانٍ أيضاً بالامتناع من الرفع مع تمكنه منه شرعًا.

قلنا: المشتري غير مباشر ولا مسبب لانعدام الفعل وإنَّما صار تاركاً معروفاً فلا يضمن، كمن رأى أعمى يقع في البئر فلم يمنعه من الوقوع حتَّى مات، أو رأى إنسانًا يموت من الجوع ومعه طعام فلم يدفعه إليه حتَّى مات، أو وضع رجل حجراً في الطريق فمرَّ به إنسان وأمكنه الرفع كان عليه أن يرفع، فإن لم يرفعه حتَّى عقل به إنسان ومات لا ضمان عليه لما أنَّه غير مباشر ولا مسبب (٥).

فإن قلت: يشكل على هذا الحائط المائل إذا تقدم إنسان على صاحبه بالنقض فلم ينقض حتى باع الدَّار من غيره، ثم أصاب إنسانًا فإن البائع لا يضمن مع أنَّ البائع هناك جانٍ بترك النقض حيث ترك النقض بعد التقدم عليه.

قلت: وقع الفرق بينهما من حيث أنَّ التقدم في الحائط المائل شرط ليصير صاحب الحائط ضامنًا، والتقدم إلى البائع قبل البيع إنَّما يصح باعتبار الملك وقد زال ملكه بالبيع فيزول تمكُّنه من النقض أيضاً بالبيع؛ لأنَّ أحدًا لا يتمكَّن من نقض حائط الغير وإن كان مائلا فصار كأنَّه لم يتقدم إليه أحد بالنَّقض حتى باع، وههنا جناية البائع في إشراع الجناح من حيث إنَّه شغل هو طريق المسلمين بالإخراج لا باعتبار الملك، حتى لو حصل ممَّن كان ساكنًا في الدَّار بإجارة أو بإعارة أو غصب فسقط على إنسان يكون ضامناً، وهذا الشغل باق بعد البيع فبقيت الجناية إلى هذا أشار الإمام المحبوبي في «الجامع الصَّغير» (٦).


(١) بداية المبتدي (٢٤٨).
(٢) يُنْظَر: بدائع الصنائع (٧/ ٣٢٠)، بداية المبتدي (٢٤٨)، البناية شرح الهداية (١٣/ ٢٣٢).
(٣) بداية المبتدي (٢٤٨).
(٤) الهداية شرح البداية (٤/ ١٩٢).
(٥) يُنْظَر: بدائع الصنائع (٧/ ٢٧٦)، تبييين الحقائق (٣/ ٢٩٧)، درر الحكام (٦/ ١٠١).
(٦) يُنْظَر: الهداية شرح البداية (٤/ ١٩٦)، الجوهرة النيرة (٢/ ٢٢٧)، درر الحكام (٦/ ١٥)، تكملة البحر الرائق (٨/ ٣٩٦).