للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولو ضرب المولى عينه فابيضت وهو عالم به، ثم ذهب البياض قبل أن يخاصم فيه لا يكون مختارًا للفداء بل يدفع أو يفدي؛ لأن النقصان لما زال جعل كأن لم يكن.

ولو خوصم في حالة البياض فضمَّنه القاضي الدية؛ ثم زال البياض فالقضاء نافذ لا يرد لأن الخيار قد استحكم بانضمام القضاء إليه.

وكذا إذا كانت بكرًا فوطئها (١) أي يصير مختارًا للفداء، وإن لم يكن معلقًا؛ وإنما قيد به لإثبات الفرق بين وطأ البكر ووطأ الثيب؛ لأن بوطئ الثيب لا يكون مختارًا للفداء ما لم يكن الوَطئ معلَّقًا (٢) في ظاهر الرواية، فإذا علقت منه فحينئذ يكون اختيارًا للفداء.

وروي عن أبي يوسف: [أن مطلق] (٣) الوطئ يكون اختيارًا لأن الحِل يختص (٤) بالملك فكان دليلًا على إمساك العين.

فكان قوله في الكتاب بخلاف وطئ الثيب على ظاهر الرواية احترازًا عما روي عن أبي يوسف، وقول زفر مثل قول أبي يوسف هذا.

وقوله لما قلنا إشارة إلى قوله لأنه حبس جزء منه.

بخلاف التزويج أي لا يصير مختارًا للفداء بالتزويج لأن التزويج لا يعجزه عن الدفع كما لا يعجزه عن البيع.

وفي المسألة طعن عيسى (٥)؛ ووجهه أن التزويج تعييب وبالتعييب يثبت اختيار الفداء كما لو ضرب على يديها وعينها.

قلنا التعييب تفويت جزء منها حقيقة وأما النكاح فليس بتفويت لجزئها حقيقة فإنها بعد النكاح قائمة برمتها؛ وإنما دخلها العيب حكمًا، وبه لا يثبت اختيار الفداء كما لو أقر عليها بالسرقة مع العلم بالجناية؛ فإن بسبب هذا الإقرار يدخلها نوع عيب ولكن لما كان حكميًا لم يثبت به اختيار الفداء؛ لأنه لا ينقص من غير إتلاف (٦)؛ وإنما يجعل الوطئ في حكم جزء من العين إذا وقع في غير الملك وههنا قد وقع في الملك؛ فإن الملك يثبت مقتصرًا على عين الدفع.


(١) الوطء: وطئ الشيء برجله وطئا، ومنه وطء المرأة جامعها. ينظر: المغرب (ص: ٤٨٩).
(٢) في (ج): متعلقًا؛ وما أثبت من (أ) و (ب) هو الصواب.
(٣) ساقطة من (ج)؛ وإثباتها من (أ) و (ب) هو الصواب.
(٤) في (ج): يحفظ؛ وما أثبت من (أ) و (ب) هو الصواب.
(٥) هو عيسى بن أبان بن صدقة، أبو موسى؛ قاض من كبار فقهاء الحنفية. كان سريعا بإنفاذ الحكم؛ عفيفا، خدم المنصور العباسي مدة، وولي القضاء بالبصرة عشر سنين وتوفي بها. له كتب، منها: "إثبات القياس"، و"اجتهاد الرأي"، و "الجامع" في الفقه، و"الحجة الصغيرة". ينظر: الأعلام للزركلي (٥/ ١٠٠)، تاج التراجم (ص: ٢٢٦).
(٦) في (أ) و (ب): إغلاق؛ وما أثبت من (ج) هو الصواب.