للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولو دفعه المولى إلى أولياء الجناية لم يضمن لأصحاب الدين شيئًا استحسانًا (١)؛ والقياس أن يضمن بالقيمة؛ لأن الدفع وإن كان واجبًا؛ ولكن الملك لم يكن ثابتًا؛ وإنما يثبت (٢) بدفعه لهم فصار كما لو باعه منهم؛ وجه الاستحسان أن هذا حكم مستحق عليه.

ألا ترى أن القاضي يجبره على ذلك، فإذا فعل عين (٣) ما هو مستحق عليه لم يضمن به شيئًا، ولو دفع إلى أصحاب الدين بدينهم كان مختارًا للجناية ولزمه الأرش إن كان عالمًا والقيمة إن لم يكن عالمًا؛ لأن ما فعل (٤) غير مستحق عليه بل المستحق عليه الدفع إلى أولياء الجناية، ثم يباع في الدين على ملكهم؛ فكان دفعه بالدين تفويتًا للدفع إلى الأولياء فيضمن.


(١) الاستحسان لغة: على وزن استفعال؛ من الحسن؛ وهو عد الشيء حسنًا ويطلق على ما يميل إليه الإنسان من الصور والمعاني. ينظر: المعجم الوسيط (١٧٤)
اصطلاحًا: قال أبو الحسن الكرخي: الاستحسان هو العدول في مسألة عن مثل ما حكم به في نظائرها إلى خلافه لوجه هو أقوى منه، وقال بعضهم: الاستحسان هو القياس الخفي، وقال الحلواني الحنفي: الاستحسان ترك القياس لدليل أقوى منه من كتاب أو سنة أو إجماع، وجاء في المبسوط للسرخسي: أن الاستحسان في الحقيقة قياسان أحدهما ضعيف الأثر يسمى قياسًا والآخر خفي قوي الأثر يسمى استحسانًا. ينظر: (الإحكام للآمدي (٤/ ١٥٨)، أدلة التشريع للدكتور عبدالعزيز (١٥٨)، الوجيز في أصول افقه (٢٣٠)، المبسوط للسرخسي (٣/ ١٤٥).
وقد جعل الكرخي استخدامات أئمة المذهب الحنفي لمصطلح الاستحسان على أربعة أنواع: أولها: ترك القياس العام لدليل خاص، مثل ترك قاعدة: أن ما لا ينقض الوضوء خارج الصلاة لا ينقضه داخلها أيضا، للأثر الذي روي بأن القهقهة في الصلاة تفسدها وتنقض الوضوء أيضا. وثانيها: ترك القياس العام لقول الصحابي، ومثال ذلك قول أبي حنيفة بجعل أجرة ردّ العبد الآبق أربعين درهما اتباعا لقول ابن عباس. وثالثها: ترك القياس العام للعرف، مثل القول بجواز بيع المعاطاة. ورابعها: اتباع معنى خفي، هو أخص بالمقصود وأمس من المعنى الجلي (ترك القياس الجلي لقياس خفي).
شرح المعالم في أصول الفقه عبد الله بن محمد بن علي ابن التلمساني، تحقيق عادل أحمد عبد الموجود وعلي محمد معوض (٢/ ٤٧١. (
(٢) في (ب): وإنما لم يكن؛ وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.
(٣) في (ج): فإذا قبل غير؛ وما أثبت من (أ) و (ب) هو الصواب.
(٤) في (ج): ما قبل؛ وما أثبت من (أ) و (ب) هو الصواب.