للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأما حكم الحر الكبير فإنه إذا غصبه إنسان ونقله إلى مكان فأصابه شيء من هذه العوارض ينظر إن قيده الغاصب حتى أصابه ولم يمكنه التحرز عنه يضمن؛ لأن المغصوب عجز عن حفظ نفسه بما صنع فيه فيجب الضمان على الغاصب، وإن لم يمنعه من حفظ نفسه لا يضمن؛ لأن البالغ العاقل إذا لم يحفظ نفسه مع إمكانه كان التلف مضافًا إلى تقصيره لا إلى الغاصب فلا يضمن، كالماشي إذا علم بالبئر ومشى كذلك حتى وقع في البئر لم يضمن الحافر شيئًا.

بخلاف الصغير فإنه عاجز عن حفظ نفسه من أسباب التلف كالماشي على البئر إذا لم يعلم بالبئر، هذا كله مما ذكره الإمام المحبوبي: (١).

وإذا أودع صبي عبدًا إلى آخره (٢).

وذكر في شرح الطحاوي (٣): ومن أودع عند صبي مالًا فهلك في يده لا ضمان عليه بالإجماع (٤)، وإن استهلكه الصبي فإنّه يُنظر إن كان الصبي مأذونًا له في التجارة يضمن بالإجماع وإن كان محجورًا عليه ولكنه قبِل الوديعة بأمر وليه ضمن بالإجماع.

وإن قبل بغير إذن وليه فلا ضمان عليه في قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله لا في الحال ولا بعد الإدراك.

وقال أبو يوسف: يضمن (٥) في الحال (٦).

وأجمعوا على أنه لو استهلك مال الغير من غير أن يكون عنده وديعة ضمن في الحال. قوله: وهذا يدل على أن غير العاقل يضمن بالإجماع.

وفي هذا الذي ذكره يساعده فخر الإسلام

ذكره في الجامع الصغير (٧).

وأما في غيره من شروح الجامع الصغير لصدر الإسلام (٨) (٩) وقاضي خان (١٠) والتمرتاشي (١١) فالحكم على خلاف هذا؛ حيث قالوا فيها هذا الخلاف فيما إذا كان الصبي عاقلًا، وإن لم يكن عاقلًا فلا يضمن في قولهم.


(١) ينظر: العناية (١٠/ ٣٧١).
(٢) (وَإِذَا أُودِعَ صَبِيٌّ عَبْدًا فَقَتَلَهُ فَعَلَى عَاقِلَتِهِ الدِّيَةُ، وَإِنْ أُودِعَ طَعَامًا فَأَكَلَهُ لَمْ يَضْمَنْ). ينظر: الهداية (٤/ ٤٩٦)، العناية (١٠/ ٣٧١)، البناية (١٣/ ٣٢٢).
(٣) شرح الطحاوي له مكانة علمية شامخة في المذهب، وقد نال به الطحاوي شهرة واسعة، والطحاوي هو أحمد بن محمد بن سلامة؛ أبو جعفر الطحاوي، الفقيه الإمام الحافظ، من أهم مصنفاته: أحكام القرآن، شرح معاني الآثار، شرح مشكل الآثار. ينظر: تذكرة الحفاظ (٣/ ٣٩)، لسان الميزان (١/ ٣٠٦)، الجواهر المضيئة (١/ ٢٧١).
(٤) ينظر: العناية (١٠/ ٣٧١)، البناية (١٣/ ٣٢٢).
(٥) في (أ): يصير؛ وما أثبت من (ب) و (ج) هو الصواب.
(٦) ينظر: العناية (١٠/ ٣٧١)، البناية (١٣/ ٣٢٢).
(٧) ينظر: العناية (١٠/ ٣٧١)، البناية (١٣/ ٣٢٢).
(٨) هو: محمد بن محمد بن الحسين بن عبد الكريم أَبو اليسر صدر الإسلام البزدوي، فقيه بخاريّ ولي القضاء بسمرقند. انتهت إليه رياسة الحنفية فيما وراء النهر. له تصانيف منها (أصول الدين - ط) توفي في بخارى فى رجب سنة ثلاث وتسعين وأربعمائة. ينظر: الجواهر المضية (٢/ ٢٧٠)، الأعلام للزركلي (٧/ ٢٢).
(٩) ينظر: العناية (١٠/ ٣٧١)، البناية (١٣/ ٣٢٢، ٣٢٣).
(١٠) ينظر: العناية (١٠/ ٣٧١)، البناية (١٣/ ٣٢٢، ٣٢٣).
(١١) ينظر: العناية (١٠/ ٣٧١)، البناية (١٣/ ٣٢٢، ٣٢٣).