للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

للحديث الذي رويناه؛ أي في أوائل باب القسامة، وهو قوله - صلى الله عليه وسلم -: «لو أُعْطِي الناس بدعواهم لادَّعى قوم دماء قوم وأموالهم، لكن البينة على المدعي واليمين على من أنكر» (١)؛ ولا يقال الظاهر أنهم قتلوه؛ لأن الظاهر حجة لدفع الاستحقاق لا للاستحقاق كذا في الجامع الصغير (٢) لشمس الأئمة (٣) والمحبوبي.

فإن قلت ما وجه الفرق بين ما إذا اقتتل الفريقان من المسلمين عصبية كالكلابادي (٤) والدروازي (٥) شجارًا ثم أجلوا (٦) عن قتيل ولا يدرى مَنْ قتله، فإنه تجب القسامة والدية على أهل ذلك المكان الذي وجد فيه وجعل القتيل قتيل ذلك المكان لا قتيل العدو؛ وبين ما إذا اقتتل المسلمون [مع المشركين] (٧) فأجلوا عن قتلى المسلمين لم تجب القسامة والدية]] (٨) على أهل ذلك المكان بل يجعل ذلك قتيل العدو مع أن في الموضعين جميعًا إذا كان لا يدرى مَنْ قَاتلُه احتمل أن يكون قتيل المكان واحتمل أن يكون قتيل العدو.

قلت: وجهه هو أن المقاتلة إذا وقعت بين المسلمين والمشركين (٩) [وأجلوا عن قتيل في مكان في دار الإسلام ولا يدرى من قتله من المسلمين أو المشركين] (١٠) يرجح احتمال قتل المشركين حملًا لأمر المسلمين على الصلاح؛ ولهذا جعل شهيدًا [لأنه لو جعل قتيل المسلمين لا يكون شهيدًا] (١١) لاستحقاق الدّية على أهل ذلك المكان حينئذ، والشهيد من يكون عوض دمه على الله؛ قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ} (١٢) فلما ترجح هذا الاحتمال لهذا المعنى تعين أنه قتيل أهل الشرك.


(١) سبق تخريجه. ص ٢٠٥ ..
(٢) ينظر: العناية (١٠/ ٣٨٩)، البناية (١٣/ ٣٥٣).
(٣) هو: محمد بن أحمد بن أبي سهل؛ أبو بكر؛ السرخسي من أهل سرخس بلدة في خراسان. ويلقب بشمس الأئمة. كان إمامًا في فقه الحنفية، وعلامة حجة متكلمًا ناظرًا أصوليًّا مجتهدًا في المسائل. أخذ عن الحلواني وغيره. سجن في جب بسبب نصحه لبعض الأمراء، وأملى كثيرًا من كتبه على أصحابه وهو في السجن، أملاها من حفظه، توفي سنة ٤٨٣ هـ. من تصانيفه: «المبسوط» في شرح كتب ظاهر الرواية في الفقه؛ و «الأصول» في أصول الفقه، «شرح السير الكبير» للإمام محمد بن الحسن. ينظر: الفوائد البهية (ص: ١٥٨)، الجواهر المضية (٢/ ٢٨)، الأعلام للزركلي (٦/ ٢٠٨).
(٤) كلاباذ: بالفتح، والباء الموحدة، وآخره ذال معجمة: محلة ببخارى. وكلاباذ أيضا: محلة بنيسابور. ينظر: معجم البلدان (٤/ ٤٧٢).
(٥) الدروازي: إقليم «درواز» للأفغان مقابل ضم إقليمى «روشن» و «شغنان» إليه. ينظر: تاريخ بخارى (١/ ١٣).
(٦) أجلوا عن القتيل: أي انفرجوا عنه، وَجَلَوْتُ: أوضحت وكشفت. ينظر: الصحاح (٦/ ٢٣٠٤)، المغرب (ص/ ٣٥٤).
(٧) ساقطة من (أ)؛ وإثباتها من (ب) و (ج) هو الصواب.
(٨) ساقطة من (ب) قرابة لوح كامل؛ وإثباتها من (أ) و (ج) هو الصواب.
(٩) في (ب): من المسلمين أو المشركين؛ وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.
(١٠) ساقطة من (ب)؛ وإثباتها من (أ) و (ج) هو الصواب.
(١١) ساقطة من (ب)؛ وإثباتها من (أ) و (ج) هو الصواب.
(١٢) سورة التوبة: ١١١