للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الوصيّة غير واجبة وهي مستحبّة؛ وإنّما ذكر قوله وهي مستحبّة بعد قوله غير واجبة؛ لأن الاستحباب لا يستفاد من قوله غير واجبة كالمباحات، وبقوله غير واجبة ينفي قول بعض الناس حيث قالوا الوصيّة للوالدين والأقربين إذا (١) كانوا ممّن لا يرثون فرضًا.

وعند بعضهم الوصيّة واجبة على كلّ أحد ممّن له ثروة ويسار (٢)؛ واستدلوا بظاهر قوله (٣) تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ} (٤)، والمكتوب علينا يكون فرضًا، وقال غ: «لا يحل لرجل يؤمن بالله واليوم الآخر إذا كان له مال يريد الوصيّةَ فيه أن يَبِيتَ ليلتين (٥) إلّا وصيّته مكتوبة عند رأسه» (٦).


(١) في (ب): إنما، وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.
(٢) أولًا: ذهب جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة في رواية إلى أن الوصية بجزء من المال ليست بواجبة على أحد ولكنها مندوبة، إلا إذا كان عليه حق مستحق لله كالزكاة أو الصيام أو الحج فهي واجبة، وكذلك إن كان عليه دين، أو عنده وديعة، وهو قول الشعبي والنخعي والثوري والأوزاعي وابن المنذر وأبو ثور، ونقل ابن عبد البر إجماع العلماء على الاستحباب وجعل القائلين بالوجوب شاذين لا يعدون خلافا.
ينظر: تكملة فتح القدير لابن الهمام الحنفي، ج ١٠ ص ٤١٣، أحكام القرآن لابن العربي المالكي، ج ١، ص ١٠٣، تحفة المحتاج في شرح المنهاج لابن حجر الهيتمي الشافعي، ج ٧، ص ٣، المغني لابن قدامة الحنبلي، ج ٦ ص ٥٦، التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد، ج ٨، ص ٣٨٤.
وأصحاب هذا القول ينقسمون على أنفسهم في مسألة التشريع الأول للوصية إلى فريقين، الأول يرى أن الوصية مستحبة في أصلها. ينظر: أحكام القرآن للجصاص، ج ١، ص ٢٣٠
في حين يرى الفريق الثاني بأن الوصية كانت في الأصل واجبة ثم نسخت. ينظر: مغني المحتاج إلى معرفة ألفاظ المنهاج للشربيني، ج ٤ ص ٦٧
الفريق الثاني: ويرى أن الوصية كانت فرضا ثم نسخ لينقل الوصية من الفرضية إلى الندب، غير أن أصحاب هذا الفريق قد اختلفوا في الناسخ
ثانيًا: ومذهب القائلين بالوجوب ديانة: وأصحابه يقولون بوجوب الوصية ديانة، وهم ينقسمون إلى فريقين في التعبير عن هذا الوجوب
الفريق الأول: الوصية واجبة على كل أحد ممن له ثروة ويسار. ينظر: المبسوط، ج ٢٧ ص ١٤٣، بدائع الصنائع، ج ٧، ص ٣٣١،، نيل الأوطار، ج ٦، ص ٤٣.
الفريق الثاني: وهو أن الوصية للوالدين والأقربين فرض إذا كانوا ممن لا يرثون؛ وهي رواية عن أحمد والشافعي في القديم ومروي عن مسروق والضحاك وقتادة وطاوس والحسن وإياس وابن جرير وعبد الله بن أبي أوفى وطلحة بن مصرف ورواية عن ابن عباس. ينظر: العناية، ج ١٠، ص ٤١٤، المبسوط، ج ٢٧، ص ١٤٣، بدائع الصنائع، ج ٧، ص ٣٣٢،، المغني لابن قدامة، ج ٦، ص ٥٦،، أحكام القرآن للجصاص، ج ١، ص ٢٣٢،، جامع البيان في تأويل القرآن للطبري، ج ٣، ص ٣٨٨.
ثالثًا: مذهب القائلين بالوجوب ديانة وقضاء يرى ابن حزم وجوب الوصية كأصحاب المذهب الثاني، إلا أنه لا يقول بالوجوب من الناحية الدينية وحسب، وإنما يضاف إليها الوجوب القضائي، فيفترق عنهم في مسألة فيما لو مات مسلم ولم يوص. ينظر: المحلى بالآثار لابن حزم، ج ٨، ص ٣٥٢
(٣) في (ب): واستدلوا بقوله تعالى، وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.
(٤) سورة البقرة: ١٨٠.
(٥) في (ب): أن يثبت في الثلثين، وما أثبت من (أ) و (ج) أقرب للصواب.
(٦) أخرجه البخاري في (صحيحه) كتاب الوصايا باب الوصايا وقول النبي غ: «وصية الرجل مكتوبة عنده»، (٤/ ٢ رقم الحديث: ٢٧٣٨)، ومسلم في (صحيحه) كتاب الوصية (٣/ ١٢٤٩ رقم الحديث: ١٦٢٧).