للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وأما الآية فقد اتفق أكثر أهل التفسير على أنّ ذلك كان في الابتداء قبلَ نزول آية المواريث ثم انتسخ وتكلموا في ناسخه؛ وكان أبو بكر الرازي (١) يقول: إنما انتسخ بقوله: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ} (٢)؛ فإنه نصَّ على المواريث بعد وصيّة منكَّرة؛ فلو كانت الوصيّة للوالدين والأقربين ثابتة بعد نزول هذه الآية لذكر (٣) الإرث بعد الوصيّة المعروفة لأن تلك وصيّة معهودة؛ وأكثر مشائخنا يقولون إنما انتسخ هذا الحكم بقوله - صلى الله عليه وسلم -: «إن الله تعالى أعطى كل ذي حق حقه ألَا لَا وصيَّةَ لوارث» (٤)، وهذا حديث مشهور تلقاه العلماء بالقبول والعمل به فكان كالمسموع من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأما الحديث الَّذي رووه فهو شاذ فيما يعمُّ به البلوى والوجوب لا يثبت بمثله، ثم هو محمول على ما كان في الابتداء قبل نزول آية المواريث؛ أو المراد أن ذلك لا يليق بطريق الاحتياط والأخذ بمكارم الأخلاق كقوله - صلى الله عليه وسلم -: «لا يحل لرجل يؤمن بالله واليوم الآخر أن يبيت شبعان وجاره طاوٍ إلى جنبه» (٥) والمراد ما بينا كذا في المبسوط (٦).


(١) هو: أحمد بن علي، أبو بكر الرازي، المعروف بالجصاص. ولد سنة خمس وثلاثمائة. وسكن بغداد. وانتهت إليه رئاسة الحنفية. وسئل العمل بالقضاء فامتنع. تفقه على أبي الحسن الكرخي وتخرج به. وتفقه عليه جماعة. وروى عن عبد الباقي بن قانع. وله: كتاب "أحكام القرآن"، وشرح "مختصر" الكرخي، وشرح "مختصر" الطحاوي، وشرح "الجامع الصغير" و"الجامع الكبير" لمحمد بن الحسن، وشرح "الأسماء الحسنى"، وله كتاب في "أصول الفقه"، وكتاب "جوابات مسائل"، وكتاب "مناسك". توفي يوم الأحد سابع ذي الحجة سنة سبعين وثلاثمائة ببغداد. ينظر: تاج التراجم (ص: ٩٦)، الجواهر المضية (١/ ٨٤).
(٢) سورة النساء: ١١.
(٣) في (ب): كذلك، وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.
(٤) حديث أبي أمامة- رضي الله عنه -قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إن الله أعطى كل ذي حق حقه، فلا وصية لوارث) ينظر: سنن أبي داود ٣/ ٢٩٠ رقم (٢٨٧٠)، سنن ابن ماجة ٢/ ٩٠٥ رقم (٢٧١٣)، جامع الترمذي - تحفة ٦/ ٣٠٩ وقال: حديث حسن صحيح، المسند ٥/ ٢٦٧، المنتقى، ابن الجارود ص: ٢٣٨، سنن سعيد بن منصور ١/ ١٢٥، مصنف عبد الرزاق ٤/ ٤٧ و ١٤٨ - ١٤٩، التمهيد ١٤/ ٢٩٩ و ٢٤/ ٤٣٩، السنن الكبرى، البيهقي ٦/ ٢٤٤ و ٢٦٤ ٠
وفي إسناده: إسماعيل بن عياش وقد قوى حديثه في الشاميين جماعة منهم: احمد والبخاري ٠ وهذا من روايته عن شرحبيل ابن مسلم وهو شامي ثقة، وقد صرح في روايته بالتحديث ٠ قال العلامة الألباني: " وله عنه طريقان: الأولى: إسنادها حسن ٠ والثانية: إسنادها صحيح على شرط مسلم " وقوى إسناده الحافظ ابن حجر في الدراية ٢/ ٢٩٠ وحسنه في التلخيص الحبير ٣/ ٩٢ وينظر: تحفة الطالب ص: ٣٩٩، نصب الراية ٤/ ٥٧ و ٤٠٣، المعتبر، الزركشي ص: ٢٠٣ و ٢٠٨، نيل الاوطار ص: ١١٠٧، السيل الجرار ٤/ ٤٩٧، عون المعبود ٨/ ٥١ ٠
(٥) أخرجه البيهقي في (السنن الكبرى) كتاب جماع أبواب ما لا يحل أكله وما يجوز للمضطر من الميتة وغير ذلك باب صاحب المال لا يمنع المضطر فضلا إن كان عنده (١٠/ ٥ رقم الحديث: ١٩٦٦٨)، ونصه: عن عبد الله بن المساور، قال: سمعت ابن عباس ط، وهو يبخل ابن الزبير، يقول: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "ليس المؤمن الذي يشبع، وجاره جائع إلى جنبه"، والحاكم في (مستدركه) كتاب البر والصلة باب وأما حديث عبد الله بن عمرو، (٤/ ١٨٤ رقم الحديث: ٧٣٠٧)، وقال الحاكم: "هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه"، وقال الألباني في (صحيح الجامع الصغير وزيادته) (٢/ ٩٤٩): "صحيح".
(٦) ينظر: المبسوط (٢٧/ ١٤٣).