للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وامَّا قَوْلُهُ: (شُرِّعَ لِلْإِعْلَامِ وَالدُّعَاءِ إِلَى الاجْتِمَاعِ)، قُلْنَا شُرِّعَ لِهَذَا (١) وَشُرِّعَ أَيْضًا لِتَحْصِيلِ الثَّوَابِ، بِذِكْرِ هَذِهِ الْكَلِمَاتِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُنْفَرِدَ، الْأَفْضَلُ لَهُ أَنْ يُؤَذِّنَ، وَيُقِيمَ، وَالْمُسَافِرُ كَذَلِكَ؛ وَهُوَ لَا يَحْتَاجُ إِلَى إِعْلَامِ آخَرَ، بِالْوَقْتِ، وَلَا إِلَى دُعَاءِ أَحَدٍ (٢) وَمَعَ هَذَا يَأْتِي لِتَحْصِيلِ الثَّوَابِ، بِهَذِهِ (٣) الْكَلِمَاتِ، وَقَالَ فِي "الْمَبْسُوطِ" هَذَا لَا يَتَفَاوَتُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ وَاحِدًا أَوْ جَمَاعَةً (٤).

قَوْلُهُ -رحمه الله-: (وَكَانَ مُخَيَّرًا فِي الْبَاقِي (٥) إِنْ شَاءَ أَذَّنَ وأقَامَ وَإِنْ شَاءَ اقْتَصَرَ عَلَى الْإِقَامَةِ).

فَإِنْ قُلْت: هَذَا التَّخْيِيرُ يُشْكِلُ، عَلَى أَصْلِنَا الْمَذْكُورِ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ؛ وَهُوَ أَنَّ الرِّفْقَ، إِذَا كَانَ مُتَعَيِّنًا فِي أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ، لَا يُخَيَّرُ الْعَبْدُ بَيْنَهُمَا، كَمَا فِي قَصْرِ صَلَاةِ الْمُسَافِرِ، وَهُنَا (٦) الرِّفْقُ؛ مُتَعَيِّنٌ فِي الْإِقَامَةِ، وَمَعَ ذَلِكَ أَثْبَتَ التَّخْيِيرَ، وَلَا يُتَخَّلَصُ مِنْهُ بِزِيَادَةِ (٧) ثَوَابِ الْآخِرَةِ فِي الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مَوْجُودٌ فِي صَلَاةِ الْمُسَافِرِ، بِزِيَادَةِ الرَّكْعَتَيْنِ تَطَوُّعًا قُلْتُ: ذَلِكَ فِي الشَّيْئَيْنِ الْوَاجِبَيْنِ (٨) لَا فِي السُّنَنِ، وَالتَّطَوُّعَاتِ، وَقَدْ ذَكَرَ تَمَامَهُ فِي "الوافي" (٩) فِي فَصْلِ الْعَزِيمَةِ وَالرُّخْصَةِ.

قَوْلُهُ -رحمه الله-: (وَعَنْ مُحَمَّدٍ -رحمه الله- أَنَّهُ يُقَامُ لِمَا بَعْدَهَا)

أَيْ مِنْ غَيْرِ اخْتِيَارٍ، بَيْنَ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا، وَبَيْنَ إِفْرَادِ الْإِقَامَةِ (١٠) وَفِي "التُّحْفَةِ": (وَرَوَى فِي غَيْرِ رِوَايَةِ الْأُصُولِ، عَنْ مُحَمَّدٍ -رحمه الله-؛ إِذَا فَاتَتْ صَلَوَاتٌ، يَقْضِي الْأُولَى بِأَذَانٍ، وَإِقَامَةٍ وَالْبَوَاقِي، بِالْإِقَامَةِ، دُونَ الْأَذَانِ، وَحُكِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الرَّازِيِّ (١١) -رحمه الله- أَنَّهُ قَالَ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَا قَالَ، مُحَمَّدٌ -رحمه الله- قَوْلَهُمْ جَمِيعًا، وَالْمَذْكُورُ فِي الْكِتَابِ؛ مَحْمُولٌ عَلَى الصَّلَاةِ الْوَاحِدَةِ فَيَرْتَفِعُ الْخِلَافُ بَيْنَ أَصْحَابِنَا) (١٢).


(١) في (ب): (بهذا).
(٢) في (ب): (آخر).
(٣) في (ب): (بذكر هذه).
(٤) "المبسوط" للسرخسي (١/ ١٣٦).
(٥) في (ب): (الثاني).
(٦) في (ب): (ها هُنَا).
(٧) في (ب): (زيادة).
(٨) في (ب): (الواجبات).
(٩) " الوافِي فِي أصول الفقه" للسغناقي " (٢/ ٨١٥ - ٨١٦).
(١٠) في (ب): (الإفراد للإقامة).
(١١) الرازي: هو أحمد بن علي أبو بكر الرازي المعروف بالجصاص الفقيه الحنفي الرازي أحد أئمة أصحاب أبي حنيفة، وله من المصنفات المفيدة كتاب (أحكام القرآن)، وهو تلميذ أبي الحسن الكرخي، وكان عابداً، زاهداً، ورعاً، انتهت إليه رياسة الحنفية في وقته ورحل إليه الطلبة من الآفاق، وقد سمع الحديث من أبي العباس الأصم، وأبي القاسم الطبراني، وقد أراده الطائع على أن يوليه القضاء فلم يقبل، توفي في ذي الحجة من هذا العام.
انظر: " الطبقات السنية في تراجم السّادة الحنفّية، للدّاري " (١/ ١٢٢) و " سير أعلام النبلاء للذهبي " (١٥/ ٢٤٥).
(١٢) "تحفة الفقهاء" للسمرقندي " (١/ ١١٥ - ١١٦).