للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قلتُ: وجوب تقديم ما قدمه الموصي عند تساوي الوصايا في القوة إنما هو في الوصايا التي هي حقوق الله تعالى وهي نوافل مختلفات؛ كالحج النفل والصدقة النافلة وعتق نسمة بغير عينها لأن المستحق واحد.

وأما في حقوق العباد فالوصايا كلها مستوية، ولا اعتبار لتقديم الموصي على ما ذكرنا أنه لو أوصى بثلث ماله لفلان ولفلان ولفلان كان بينهم أثلاثًا وصل أم فصل، ولا اعتبار لتقديم الموصي؛ والذي نحن فيه من قبيل حقوق العباد (١) على ما ذكرنا فيجب أن لا يكون لتقديم الموصي اعتبار؛ هذا كله مما أشار إليه في الأسرار (٢).

وذكر في المبسوط: وإنما يبدأ بما بدأ به الموصي إذا كان لمستحق واحد فأما إذا كان لمستحقَيْن فلا؛ كما لو أوصى بثلثه [لإنسان ثم أوصى بثلثه] (٣) لآخر فكان تبرعًا بمعناه لا بصيغته (٤)، وهذا لأن سبب المحاباة التجارة؛ فإن البيع بالمحاباة عقد تجارة حتى يجب للشفيع الشفعة في الكل، والشفعة تختص بالمعاوضات دون التبرعات (٥)؛ ولهذا قلت أن البيع بالمحاباة يصح من العبد المأذون والصبي المأذون وبالمرض لا يلحقه الحجر [عن التجارة] (٦).

وأما العتق فتبرع محض وبالمرض يصير محجورًا عن التبرعات فكانت المحاباة أقوى سببًا من العتق لما أن سبب المحاباة التجارة؛ ومن حيث الحكم العتق أولى لأنه لا يحتمل الفسخ لما كان للمحاباة رجحان من حيث السبب وللعتق رجحان من حيث الحكم استويا في القوة؛ ثم إذا سبقت المحاباة العتق ويثبت في الثلث ثم جاء العتق والمحاباة ثابتة (٧) ومالها بعد ثبوتها حكم الهبة بوجه؛ بدليل أن الشفيع يأخذ كذلك بالشفعة ولا شفعة في الهبة، والعتق تبرع فلا يزاحمها العتق لا بحكم البداية بل بحكم التحاقها بضمان التجارة؛ دل عليه أن العبد المأذون إذا اشترى أمة فوطئها ثم استحقت أخذ بالعقد للحال بحكم ضمان التجارات؛ لأنه لزمه بسبب الشراء لولاه لَحُدَّ؛ ولو تزوجها بغير أمر المولى فوطئها لم يؤاخذ بالعقد حتى يعتق لأن سببه ليس بتجارة فتغير (٨) الحكم بسببه، فجاز تغير المحاباة بسببها أيضًا؛ وينظر إلى سببها وهو التجارة لا إلى المحاباة (٩) التي فيها معنى الهبة والتبرع.


(١) في (ج): الوالدين؛ وما أثبت من (أ) و (ب) قريب من معناه.
(٢) ينظر: تكملة البحر الرائق (٨/ ٥٠٢).
(٣) ساقطة من (ج)؛ وإثباتها من (أ) و (ب) هو الصواب.
(٤) في (ج): لا بصفته؛ وما أثبت من (أ) و (ب) هو الصواب.
(٥) في (ب): البيوعات؛ وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب؛ وبه يستقيم المعنى.
(٦) ساقطة من (ج)؛ وإثباتها من (أ) و (ب) هو الصواب.
(٧) في (ج): تابعة؛ وما أثبت من (أ) و (ب) هو الصواب.
(٨) في (ب): فعقد؛ وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.
(٩) في (ج): التجارة؛ وما أثبت من (أ) و (ب) هو الصواب.