للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَمِنْ نَظِيرِ النَّوْعَيْنِ، جَهْلُ الذِّمِّيِّ بِالشَّرَائِعِ، بَعْدَ الْإِسْلَامِ، زَمَانًا وَجَهْلُ الْحَرْبِيِّ بِهَا بَعْدَ الْإِسْلَامِ فِي دَارِ الْحَرْبِ، حَيْثُ يَجِبُ عَلَى الذِّمِّيِّ، قَضَاءُ مَا مَضَى/ لِأَنَّ الْجَهْلَ، كَانَ لِسَبَبِ (١) تَقْصِيرِهِ فِي الطَّلَبِ؛ لِأَنَّ دَارَ الْإِسْلَامِ دَارُ الْعِلْمِ بِالشَّرَائِعِ، فَلَمْ يُعْذَرْ فِي الْقَضَاءِ بِخِلَافِ الْحَرْبِيِّ الَّذِي أَسْلَمَ حَيْثُ (٢) لَا يَجِبُ عَلَيْهِ قَضَاءُ مَا مَضَى؛ لِأَنَّ الْوِلَايَاتِ مُنْقَطِعَةٌ، فَلَمْ يَكُنْ جَهْلُهُ بِهَا، بِسَبَبِ تَقْصِيرِهِ، فَعُذِرَ فِي (٣) الْقَضَاءِ بَعْدَ الْعِلْمِ، هَذَا حَاصِلُ مَا ذُكَرَ فِي "الأسرار".

فَلَمَّا كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ، كَانَ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ -رحمه الله-: (وَالتَّكْلِيفُ مُقَيَّدٌ بِالْوُسْعِ) رَاجِعاً إِلَى الْوُسْعِ؛ الَّذِي لَوْ بَالَغَ فِي الْجُهْدِ؛ لَأَصَابَهُ؛ لِأَنَّهُ مُحَلَّى بِالْأَلَفِ، وَاللَّامِ، فَكَانَ مُسْتَغْرِقاً لِجَمِيعِ (٤) مَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ اسْمُ الْوُسْعِ، فَلَمَّا لَمْ يَكُنْ لَهُ وُسْعُ مَا فِي الَّذِي نَحْنُ بِصَدَدِهِ، صَارَ كَنَصٍّ نَزَلَ بَعْدَ الْفِعْلِ، وَكَإِسْلَامِ الْحَرْبِيِّ، وَذَلِكَ لَا يُوجِبُ الْإِعَادَةَ، فَكَذَا هَذَا.

أَوْ نَقُولُ فِي الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا، إِنَّ النَّجَاسَةَ، وأمثالها، مِنْ قَبِيلِ مَا لَا يُحْتَمَلُ الانْتِقَالُ مِنْ مَحَلٍّ إِلَى مَحَلٍّ، فَلَمْ يَجُزْ لَهُ الْعَمَلُ، إِلَّا بِظَاهِرِ مَا أَدّى إِلَيْهِ تَحَرِّيهِ، (٥) فَإِذَا ظَهَرَ مَا هُوَ أَقْوَى مِنْهُ أَبْطَلَهُ لِأَنَّهُ غَيْرُ قَابِلٍ لِلانْتِقَالِ؛ حَتَّى يُقَالَ أَنَّهُ كَانَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، [طَاهِراً] (٦) ثُمَّ تَنَجَّسَ بَعْدَهُ (٧) بِالْيَقِينِ، بَلْ هُوَ حِينَ صَلَّى، كَانَ ذَلِكَ الثَّوْبُ، مَوْصُوفاً بِالنَّجَاسَةِ.

وَكَذَلِكَ فِي حُكْمِ الْقَاضِي بِالاجْتِهَادِ، وَفِيهِ نَصٌّ بِخِلَافِهِ، وامَّا الْقِبْلَةُ، فَهِيَ مِنْ قَبِيلِ مَا يَحْتَمِلُ الانْتِقَالَ، أَلَا تَرَى أَنَّهَا انْتَقَلَتْ مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، إِلَى الْكَعْبَةِ، وَمِنْ عَيْنِ (٨) الْكَعْبَةِ، إِلَى الْجِهَةِ، إِذَا بَعُدَ مِنْ مَكَّةَ، وَمِنْ جِهَةِ الْكَعْبَةِ، إِلَى سَائِرِ الْجِهَاتِ، إِذَا كَانَ رَاكِباً؛ فَإِنَّهُ يُصَلِّي حَيْثُ مَا تَوَجَّهَتْ إِلَيْهِ رَاحِلَتُهُ، فَبَعْدَمَا صَلَّى إِلَى جِهَةِ (٩) التَّحَرِّي، إِذَا تَحَوَّلَ رَأْيُهُ، يَنْتَقِلُ فَرْضُ التَّوَجُّهِ (١٠) إِلَى تِلْكَ الْجِهَةِ أَيْضاً، فَكَانَ تَبَدُّلُ (١١) الرَّأْيِ فِيهِ بِمَنْزِلَةِ النَّسْخِ، فَيُعْمَلُ بِهِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، وَلَا يَظْهَرُ بِهِ بُطْلَانُ مَا مَضَى، كَمَا فِي النَّسْخِ الْحَقِيقِيِّ، لِأَنَّ الشَّرْطَ [بِمَنْزِلَةِ] (١٢) أَنْ يَكُونَ مُبْتَلًى، فِي التَّوَجُّهِ عِنْدَ الْقِيَامِ إِلَى الصَّلَاةِ؛ وَهُوَ الْمَقْصُودُ مِنَ (١٣) الْأَمْرِ، بِالتَّوَجُّهِ إِلَى الْكَعْبَةِ (١٤).


(١) في (ب): (بسبب).
(٢) (حيث): ساقطة من (ب).
(٣) (في): ساقطة من (ب).
(٤) في (ب): (بجميع).
(٥) في (ب): (يجزيه).
(٦) في المخطوط (أ): ظاهرا، والمثبت من (ب).
(٧) في (ب): (بعد).
(٨) (عين): ساقطة من (ب).
(٩) في (ب): (جهته).
(١٠) في (ب): (فوصل يتوجه).
(١١) في (ب): (ببذل).
(١٢) زيادة من (ب)
(١٣) في (ب): (في).
(١٤) في (ب): (القبلة).