للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قُلْتُ قَدْ ذُكِرَ فِي " فَتَاوَى الْقَاضِي الْإِمَامِ ظَهِيرِ الدِّينِ" -رحمه الله- أَمَّا بِنَاءُ الْفَرْضِ عَلَى تَكْبِيرِ (١) الْفَرْضِ قِيلَ: لَا يَجُوزُ، وَقَالَ الْقَاضِي الْإِمَامُ صَدْرُ الْإِسْلَامِ -رحمه الله-: يَجُوزُ فَإِنَّ أَبَا الْيُسْرِ قَالَ (٢) فِي "مَبْسُوطِهِ" لَوْ شُرِعَ فِي الظُّهْرِ، وأتَمَّهَا وَلَمْ يُسَلِّمْ وَبَنَى عَلَيْهِ عَصْراً فَاتَتْ عَنْهُ أَجْزَأهُ عِنْدَنَا وَلَكِنْ ذَكَرَ الْقَاضِي الْإِمَامُ أَبُو زَيْدٍ -رحمه الله- فِي "الأسرار"جَوَازَ بِنَاءِ النَّفْلِ عَلَى النَّفْلِ، وَعَدَمُ جَوَازِ بِنَاءِ الْفَرْضِ عَلَى فَرْضٍ آخَرَ، فَقَالَ فِي جَوَابِ الشَّافِعِيِّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَلِفَرْضٍ وَإِنِ انْقَضَى فَهُوَ حَرَامٌ بَعْدَ ذَلِكَ فَجَاءَ بِشَرْطِ (٣) الصَّلَاةِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ ثَبَتَ (٤) لِلنَّفْلِ ابْتِدَاءً كَمَا يَتَأَدَّى النَّفْلُ بِطَهَارَةِ الْفَرْضِ.

وَكَذَلِكَ الْفَرْضُ إِلَّا أَنَّ فَرْضاً آخَرَ، لَا يَتَأَدَّى بِهِ ها هُنَا لِأَنَّهُ مَعَ (٥) كَوْنِهِ شَرْطاً فَهُوَ عَقْدٌ عَلَى الْأَدَاءِ كَعَقْدِ الْإِجَارَةِ عَلَى أَدَاءِ (عَمَلٍ فِي مُقَابَلَتِهِ أَجْرٌ) (٦) وَالْعَقْدُ عَلَى الْفَرْضِ يَتَضَمَّنُ النَّفْلَ؛ لِأَنَّهُ صَلَاةٌ مِثْلَ النَّفْلِ، وَزِيَادَةٌ فَمِنْ حَيْثُ أَنَّهُ صَلَاةٌ فَالْبَابُ وَاحِدٌ، فَيَجُوزُ الزِّيَادَةُ مَا شَاءَ كَمَنْ شَرَعَ فِي النَّفْلِ يَنْوِي رَكْعَتَيْنِ، فَلَهُ أَنْ يَزِيدَ مَا شَاءَ، إِلَّا أَنَّهُ يَكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ، أَيْ بِنَاءُ النَّفْلِ عَلَى تَحْرِيمَةِ الْفَرْضِ، لِتَرْكِ التَّحَلُّلِ عَنِ الْفَرْضِ بِالْوَجْهِ الْمَشْرُوعِ؛ وَهُوَ التَّسْلِيمُ كَمَا يُكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ إِذَا تَكَلَّمَ وَلَمْ يُسَلِّمْ.

وَكَذَلِكَ ذَكَرَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ -رحمه الله- فِي أَوَّلِ " الْجَامِعِ الصَّغِيرِ " (٧) فِي مَسْأَلَةِ السَّهْوِ أَنَّ بِنَاءَ الْفَرْضِ عَلَى فَرْضٍ آخَرَ لَا يَجُوزُ فَقَالَ وَلَوْ كَانَ عَلَى رَجُلٍ فَوَائِتٌ (٨) فَصَلَّى الظُّهْرَ، ثُمَّ قَامَ مِنْهُ إِلَى الْعَصْرِ مِنْ غَيْرِ تَكْبِيرَةِ الافْتِتَاحِ، لَمْ يُصِّرْ شَارِعاً فِي الْعَصْرِ لِأَنَّ إِحْرَامَ الظُّهْرِ لَا يَنْتَظِمُ الْعَصْرُ كَمَا يَنْتَظِمُ النَّفْلُ قُلْتُ بَقِيَ (٩) بِنَاءُ حُكْمِ الْفَرْضِ عَلَى النَّفْلِ، وَلَمْ أَجِدْ فِيهِ رِوَايَةً (١٠)، وَلَكِنْ يَجِبُ أَنْ لَا يَجُوزُ إِمَّا عَلَى مَا اخْتَارَهُ صَاحِبُ "الأسرار" وَفَخْرُ الْإِسْلَامِ فَظَاهِرٌ لِأَنَّهُ لَمَا لَمْ يَجُزْ بِنَاءُ الْفَرْضِ عَلَى تَحْرِيمَةِ فَرْضٍ آخَرَ؛ وَهُوَ مِثْلُهُ فَلِأَنَّ لَا يَجُوزُ بِنَاءُ الْفَرْضِ عَلَى مَا دُونِهِ أَوْلَى.


(١) (تكبير) ساقطة من (ب).
(٢) في (ب): (ذكر).
(٣) في (ب): (شرط).
(٤) في (ب): (نية).
(٥) في (ب): (منع).
(٦) في (ب): (محمل في مقابلة آخر).
(٧) ذكره صاحب" الْعِنَايَة شرح الهداية للبابرتي " (١/ ٢٧٩).
(٨) (رجل فوائت) ساقطة من (ب).
(٩) في (ب): (ففي).
(١٠) قال العيني -رحمه الله-: (وقوله: لم توجد فيه رواية، غير صحيح؛ لأنه روي عن أبي الرجاء جواز ذلك، ذكره في "الدراية في تخريج أحاديث الهداية، لابن حجر ") أ. هـ. انظر: "البناية شرح الهداية للعيني" (٢/ ١٦٦).