للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَقَالَ (١) أَبُو يُوسُفَ فِي "الْجَامِعِ الصَّغِيرِ" [قَوْلُهُ] (٢) إِذَا كَانَ يُحْسِنُ التَّكْبِيرَ لَمْ يَجُزْ إِلَّا بِأَرْبَعَةِ أَلْفَاظٍ مِنْهَا اللَّهُ كَبِيرٌ، وَالْبَاقِي مَذْكُورٌ فِي الْكِتَابِ (٣) وَلَمْ يَفْصِلْ بَيْنَ مَا إِذَا كَانَ يَعْلَمُ أَنَّ الصَّلَاةَ تُفْتَتَحُ بِالتَّكْبِيرِ أَوْ لَا يَعْلَمُ وَذَكَرَ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ -رحمه الله-: (إِذَا كَانَ يُحْسِنُ التَّكْبِيرَ وَيَعْلَمُ أَنَّ الصَّلَاةَ تُفْتَتَحُ بِالتَّكْبِيرِ لَا يَصِيرُ شَارِعاً إِلَّا بِمَا ذَكَرْنَا مِنَ الْأَلْفَاظِ فَأَمَّا إِذَا كَانَ لَا يَعْرِفُ الافْتِتَاحَ بِالتَّكْبِيرِ يُجْزِيهِ وَإِنْ كَانَ يُحْسِنُ التَّكْبِيرَ) (٤)

وَذَكَرَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ -رحمه الله- وَالصَّحِيحُ مَا ذَكَرَهُ ها هُنَا أَيْ فِي "الْجَامِعِ الصَّغِيرِ" لِأَنَّ الْجَهْلَ لَا يُجْعَلُ (٥) عُذْراً فِي دَارِ الْإِسْلَامِ، وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ -رحمه الله- لَوْ قَالَ: اللَّهُ الْكَبَّارُ يَصِيرُ شَارِعاً لِأَنَّ الْكَبَّارَ لُغَةٌ فِي التَّكْبِيرِ، ثُمَّ أَنَّ مُحَمَّداً ذَكَرَ أَنَّهُ إِذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ بِالتَّسْبِيحِ وَغَيْرِهِ يَصِيرُ شَارِعاً عِنْدَهُمَا، وَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُ هَلْ يُكْرَهُ ذَلِكَ عِنْدَهُمَا؟.

قَالَ بَعْضُهُمْ لَا يُكْرَهُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ يُكْرَهُ وَهُوَ الْأَصَحُّ كَذَا فِي " الْمُحِيطِ " (٦) وَاحْتَجَّ أَبُو يُوسُفَ وَمَنْ تَابَعَهُ بِقَوْلِهِ/ -صلى الله عليه وسلم-: «مِفْتَاحُ الصَّلَاةِ الطُّهُورُ وَتَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ» (٧) فَكَانَ التَّكْبِيرُ تَفْسِيراً لِقَوْلِهِ «وَتَحْرِيمُهَا» فَعَلِمَ أَنَّهُ لَا تَحْرِيمٌ بِغَيْرِهِ وَجَائِزٌ (٨) تَعَلُّقَ الْجَوَازِ بِكَلِمَةٍ بِعَيْنِهَا (أَيْ أَنَّ) (٩) لِحُرْمَةِ تِلْكَ الْكَلِمَةِ، كَمَا تَعَلَّقَ وُجُوبُ الْحُكْمِ بِلَفْظِ الشَّهَادَةِ، دُونَ سَائِرِ الْأَلْفَاظِ، بِخُصُوصِيَّةٍ تَثْبُتُ لِذَلِكَ اللَّفْظِ فِي الْإِيجَابِ، فَكَذَلِكَ التَّكْبِيرُ فِي الثَّنَاءِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى؛ فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى الْعِظَمِ وَالْقِدَمِ، جَمِيعاً يُقَالُ فَلُانٌ أَكْبَرُ سِنّاً مِنْ فُلَانٍ، أَيْ: أَقْدَمُ، وَلِهَذَا كَانَ الافْتِتَاحُ بِهِ أَوْلَى مِنْ غَيْرِهِ بِالاتِّفَاقِ، وَمَنْ تَأَمَّلَ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ -صلى الله عليه وسلم- فِيمَا يَأْثُرُ عَنْ رَبِّهِ -جل جلاله-: «الْكِبْرِيَاءُ رِدَائِي وَالْعَظَمَةُ إِزَارِي» (١٠) اتَّضَحَ لَهُ مَا قُلْنَا.


(١) في (ب): (قاله).
(٢) زيادة من (ب).
(٣) قال أبو يوسف -رحمه الله-: (إن كان يحسن التكبير لم يجزه إلا الله أكبر والله الكبير). ينظر: "الجامع الصغير" لمحمد بن الحسن (ص ٩٥).
(٤) ينظر: "المبسوط" للسرخسي (١/ ٣٥).
(٥) في (ب): (يكون).
(٦) "المحيط البرهاني لإبن مازة " (١/ ٢٩٣).
(٧) سبق تخريجه (ص: ٢٦٧).
(٨) في (ب): (وجابر).
(٩) هكذا رسمت في مخطوط (أ) وفي مخطوط (ب).
(١٠) أخرجه أبو داود في "سننه" (ص ٤٤٧)، كتاب اللّباس، باب ما جاءَ في الكبر، حديث (٤٠٩٠)، وأخرجه بن ماجه في "سننه" (٢/ ١٣٩٧)، أبواب الزهد، باب البراءة من الكبر والتواضع، حديث (٤١٧٤).
وقال أبو عبدالله الحاكم "المستدرك" (١/ ١٢٩): (هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه بهذا اللفظ).