للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ -رحمه الله- (١) تَتَعَيَّنُ الْفَاتِحَةُ رُكْناً حَتَّى لَوْ تَرَكَ حَرْفاً مِنْهَا فِي رَكْعَةٍ لَا تَجُوزُ صَلَاتُهُ وَقَالَ مَالِكٌ -رحمه الله- (٢) بِفَرْضِيَّةِ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ، وَسُورَةٍ مَعَهَا؛ لِقَوْلِهِ -صلى الله عليه وسلم-: «لَا صَلَاةَ إِلَّا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَسُورَةٍ مَعَهَا» (٣) وَلَكِنَّا نُوجِبُ الْعَمَلَ بِهَذَا الْخَبَرِ؛ حَتَّى لَا نَأْذَنَ لَهُ بِالاكْتِفَاءِ بِالْفَاتِحَةِ فِي الْأُولَيَينِ، وَلَكْنْ لَا تَثْبُتُ الرُّكْنِيَّةُ بِهِ؛ لِأَنَّ الرُّكْنِيَّةَ لَا تَثْبُتُ إِلَّا بِدَلِيلٍ مَقْطُوعٍ بِهِ، وَخَبَرُ الْوَاحِدِ مُوجِبٌ لِلْعَمَلِ، دُونَ الْعِلْمِ فَتَعْيُّنُ الْفَاتِحَةِ وَاجِبَةٌ؛ حَتَّى يُكْرَهُ لَهُ تَرْكَ قِرَاءَتِهَا، وَتَثْبُتُ الرُّكْنِيَّةُ بِالنَّصِّ، وَكَذَلِكَ يُوجِبُ ضَمَّ السُّورَةِ بِهَذَا الْخَبَرِ لَا الْفَرْضِيَّةُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ زَيِاَدَةٌ عَلَى النَّصِّ، وَهِيَ نَسْخٌ فَلَا يَثْبُتُ ذَلِكَ بِالْخَبَرِ الْوَاحِدِ كَذَا فِي " الْمَبْسُوطِ " (٤)

وَلَنَا قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} (٥) فَإِنْ قِيلَ هَذِهِ الْآيَةُ نَزَلَتْ فِي حَقِّ صَلَاةِ اللَّيْلِ وَقَدِ انْتَسَخَتْ فَرْضِيَّةُ صَلَاةِ اللَّيْلِ فَكَيْفَ جَازَ التَّمَسُّكُ بِهَا؟


(١) ينظر: "مختصر البويطي" (ص ١٣٠).
(٢) ينظر: "المدونة الكبرى" لمالك بن أنس " (١/ ١٦٤).
(٣) الجملة الأولي من الحديث أي قوله -صلى الله عليه وسلم-: «لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب» أخرجها أبي داود في "سننه" (ص ١٠٨)، كتاب الصَّلاة، باب من ترك القراءة في صلاته، حديث (٨٢٢)، والترمذي في "سننه" (١/ ٣٣٠)، كتاب الصلاة، باب من ترك القراءة في صلاته، حديث (٢٧٤). قال الترمذي: (حديث حسن صحيح، والعمل عليه عند أكثر أهل العلم من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم-. أما باقي الحديث أي قوله -صلى الله عليه وسلم-: «وسورة معها» فقد أخرجه أبي يوسف في "الآثار" (١/ ١)، ومحمد بن الحسن في"الآثار" (١/ ٤٥)، باب الوضوء، حديث (٤).
وقد أخرجه الدارقطني كاملاً في "سننه" (٢/ ١٠٢)، كتاب الصلاة، باب وجوب قراءة أم الكتاب في الصلاة وخلف الإمام، حديث (١٢٢٣)، وقال الدارقطني: (محمد بن عبد الله بن عبيد بن عمير ضعيف).
(٤) "المبسوط" للسرخسي (١/ ١٩).
(٥) سورة المزمل: (٢٠).