للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فَإِنْ سَبَّحَ مَرَّةً وَاحِدَةً؛ رَوَى عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ قَالَ: يُكْرَهُ ذَلِكَ (١) وَقَالَ أَبُو مُطِيعٍ الْبَلْخِيُّ تِلْمِيذُ أَبِي حَنِيفَةَ -رحمه الله- (٢): لَوْ نَقَصَ مِنْ ثَلَاثٍ فِي تَسْبِيحَاتِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ لَمْ يُجْزِهِ صَلَاتُهُ (٣) وَذَهَبَ فِي ذَلِكَ إِلَى أَنَّهُ رُكْنٌ مَشْرُوعٌ، فَكَانَ نَظِيرَ الْقِيَامِ فَوَجَبَ أَنَّ مَحَلَّهُ (٤) ذِكْرٌ مَفْرُوضٌ قِيَاساً عَلَى الْقِيَامِ.

وأصْحَابُنَا احْتَجُّوا بِقَوْلِهِ: {ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا} (٥) فَقَدْ أَمَرَ (٦) بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، وَلَمْ يَأْمُرْ بِالتَّسْبِيحَاتِ فِيهِمَا؛ فَمَتَى شَرَطْنَا التَّسْبِيحَ لِلْجَوَازِ؛ فَقَدْ رَفَعْنَا جَوَازاً ثَبَتَ (٧) بِالنَّصِّ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ، وَهَذَا لَا يَجُوزُ؛ وَلِأَنَّهُ ذِكْرٌ يُخَافَتُ بِهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ، فَيَكُونُ (٨) سُنَّةً كَالتَّأْمِينِ، وَالتَّعَوُّذِ وَهَذَا؛ لِأَنَّ مَبْنَى الْفَرَائِضِ عَلَى الشُّهْرَةِ، وَالْإِعْلَانِ (٩) وَمَبْنَى التَّطَوُّعَاتِ عَلَى الْخِفْيَةِ وَالْكِتْمَانِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} (١٠) وَلَيْسَ كَالْقِرَاءَةِ لِأَنَّهُ يُجْهَرُ بِهَا، وَلَوْ زَادَ عَلَى الثَّلَاثِ فَذَاكَ أَفْضَلُ؛ إِلَّا أَنَّهُ إِذَا كَانَ إِمَاماً؛ لَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُطَوِّلَ عَلَى وَجْهٍ يُمِلُّ الْقَوْمَ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ سَبَباً لِلتَّنْفِيرِ، وَذَلِكَ مَكْرُوهٌ فَإِنَّ مُعَاذاً -رضي الله عنه- لَمَّا طَوَّلَ الْقِرَاءَةَ، قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: «أَفَتَّانٌ أَنْتَ يَا مُعَاذُ» (١١).


(١) ينظر: "بدائع الصنائع للكاساني" (١/ ٢٠٨).
(٢) (أَبِي حَنِيفَةَ) ساقطة من (ب).
(٣) ينظر: "بدائع الصنائع للكاساني" (١/ ٢٠٨).
(٤) في (ب): (يحله).
(٥) سورة الحج: (٧٧).
(٦) في (ب): (أمرنا).
(٧) في (ب): (جواز ما أثبت).
(٨) في (ب): (فكيف).
(٩) في (ب): (الإعلام).
(١٠) سورة البقرة: (٢٧١).
(١١) أخرجه الشافعي في "مسنده" (١/ ٢٢٦)، كتاب الصلاة، بَابُ تَأْخِيرِ الْعِشَاءِ وَمَا يُقْرَأُ فِيهَا، حديث (١٤٥)، وأخرجه الحميدي في "مسنده" (٢/ ٣٣١)، حديث (١٢٨٣)، وأخرجه ابن أبي شيبه في"مصنفه" (٣/ ٢٣٤)، كتاب الصلاة، باب ما يقرأ به في المغرب، حديث (٣٦٢٥)، وأخرجه أحمد في"مسنده" (٢٢/ ٩٩)، حديث (١٤١٩٠)، وأخرجه بن خزيمة في "صحيحه" (٣/ ٥١)، حديث (١٦١١)، وأخرجه بن حبان في "صحيحه" (٦/ ١٥٩)، كتاب الصلاة، باب إعادة الصلاة، ذكر الإباحة للمرء أن يؤدي فرضه جماعة ثم يؤم الناس بتلك الصلاة، حديث (٢٤٠٠)، وأخرجه البيهقي في "سننه الكبرى" (٣/ ٨٥)، كتاب الصلاة، جماع أبواب اختلاف نية الإمام والمأموم وغير ذلك، باب الفريضة خلف من يصلى النافلة، حديث (٥٣٠٣).
قال الأرنؤوط عن رواية أحمد: (إسناده صحيح علي شرط الشيخين)، وقال عن رواية بن خزيمة: (إسناده قوي).