للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأما الجواب عن الشبهة الثانية (١) قال شيخي رحمه الله (٢): المراد من قول أقرأهم لكتاب الله تعالى، أي: أعلمهم بأحكام كتاب الله تعالى دون السنة، وقوله عليه السلام: «أعلمهم بالسنة» أي: أعلمهم بأحكام كتاب الله تعالى والسنة؛ لأنه قال: «فإن تساووا» أي: فإن تساووا في العلم بأحكام كتاب الله تعالى فأعلمهم بالسنة، فعلم أن قوله: «أعلمهم بالسنة» (٣) هو أعلمهم بكتاب الله تعالى وبالسنة، فكان الأعلم الثاني غير الأعلم الأول فيصح؛ لأنهم يتلقونه التلقي خيري ازكسي كروتن (٤)، (فإن تساووا فأورعهم)، وهذا ليس في لفظ الحديث في ترتيب الإمامة إنما في الحديث بعد ما ذكر الأعلم ذكر أقدمهم هجرة، لكن أصحابنا جعلوا مكان الهجرة الورع والصلاح؛ لأن الهجرة كانت منقطعة في زمانهم، فجعلوا الهجرة عن المعاصي مكان تلك الهجرة، ولأن أقدمهم هجرة يكون أعلمهم بالسنة؛ لأنهم كانوا يهاجرون لتعلم الأحكام، فعند ذلك يزداد الورع، وقال -صلى الله عليه وسلم-: «ملاك دينكم الورع» (٥)، فإن تساووا فأسنهم لقوله عليه السلام: «الكبر

الكبر» (٦) ولأن أكبرهم سنًّا يكون أعظمهم حرمة عادة، ورغبة الناس في الاقتداء به أكثر (٧) وروى أوس (٨) عن أبي مسعود الأنصاري البدري رحمه الله (٩)، عن النبي عليه السلام أنه قال: «ليؤم القوم أقرأهم لكتاب الله تعالى، فإنه كانوا سواء فأعلمهم بالسنة، فإن كانوا سواء فأقدمهم هجرة، فإن كانوا سواء فأكبرهم سنًّا، فإن كانوا سواء فأحسبهم (١٠)، فإن كانوا سواء فأحسنهم خلقًا (١١)، فإن كانوا سواء فأصبحهم وجهًا» (١٢).


(١) في (ب): زيادة فقد.
(٢) المراد صاحب الهداية.
(٣) سبق تخريجه. ص (٩٤)
(٤) يُنْظَر: العناية شرح الهداية: ١/ ٣٤٨. والمعنى أنهم كانوا يتلقونه بأحكامه فقدم في الحديث
(٥) رواه الطبراني في المعجم الكبير (١٠٩٦٩ - ١١/ ٣٨)، من حديث ابن عباس رضي الله عنه، والتبريزي في مشكاة المصابيح (٢٥٥ - ١/ ٨٥) وصححه الألباني.
(٦) رواه البخاري في صحيحه (كتاب الديات، باب القسامة ٦٥٠٢)، ومسلم في صحيحه (كتاب القسامة والمحاربين والقصاص والديات، باب القسامة ١٦٦٩)، من حديث سهل بن أبي حثمة رضي الله عنه.
(٧) يُنْظَر: العناية شرح الهداية: ١/ ٣٤٩.
(٨) هو: أوس بن ضمعج الحضرمي يروى عن أبى مسعود وعائشة عداده في أهل الكوفة روى عنه إسماعيل بن رجاء وأبو إسحاق مات أوس سنة أربع وسبعين في ولاية بشر بن مروان على العراق.
(ثقات ابن حبان: ٤/ ٤٣)، و (التاريخ الكبير: ٢/ ١٧)، (الإصابة: ١/ ٢١٨).
(٩) هو: عقبة بن عمرو بن ثعلبة الانصاري البدري، أبو مسعود، من الخزرج. صحابي، شهد العقبة وأُحدًا وما بعدها. ونزل الكوفة وتوفي فيها. له مائة حديث وحديثان.
(ثقات ابن حبان: ٣/ ٢٧٩)، و (الإصابة: ٤/ ٥٢٤)، و (الطبقات الكبرى: ٦/ ١٦).
(١٠) في (ب): فأحسنهم خلقا.
(١١) في (ب): فأحسنهم ثوبا.
(١٢) رواه الطبراني في المعجم الكبير (٦٠٩ - ١٧/ ٢٢١).