للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وفي هذا خلاف الشافعي (١) (٢) فإنه يقول: لا يترجح الحر على العبد إذا استويا في العلم والقراءة والورع (٣)؛ لقوله عليه السلام: «اسمعوا وأطيعوا ولو ولي عليكم عبد حبشي أجدع» (٤)، ولأن إمامة الصلاة أمر من أمور الدين فيستوي فيه الحر والعبد إذا استويا في الشرائط التي يحتاج فيها للإمامة قياسًا (٥) على رواية الأخبار، والشهادة برؤية الهلال، واحتج أصحابنا بأن تقديم العبد يؤدي إلى تقليل الجماعة، وتقديم الحر يؤدي إلى تكثيرها فكان تقديم الحر أولى كما قلنا في تقديم الأكبر على الأصغر، والعالم على الجاهل، وذلك لأن الناس يستنكفون متابعة العبد، فيؤدي إلى تقليل الجماعة، وأما الجواب عن الحديث قلنا: المراد له ولاية الأمر والحث على الطاعة دون التقديم في الصلاة على أن الصلاة خلفه جائزة (٦) عندنا.

ولكن الكلام في الأفضل (٧) عند وجود غيره، وليس في الحديث بيان ذلك، ولا شك أن الحر أفضل؛ لأنه يصلح لكثير من أمور الدين فلا (٨) يصلح العبد لذلك (٩) ألا ترى أن الشرع اعتبر الترجيح (١٠) بكبر السن إذا استويا في القراءة والعلم والورع (١١)،


(١) هو: محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع القرشي، المطلبي، الشافعي، الحجازي، المكي، أبو عبد الله أحد الأئمة الأربعة وإليه تنسب الشافعية. ولد بغزة بفلسطين سنة خمسين ومائة من الهجرة، وتوفي بمصر سنة أربع ومائتين من تصانيفه الكثيرة: المسند في الحديث، أحكام القرآن، اختلاف الحديث.
(ثقات ابن حبان: ٩/ ٣٢)، و (الجرح والتعديل: ٧/ ٢٠١)، و (تاريخ بغداد: ٢/ ٥٦).
(٢) عند الشافعي لا يكره تقديم العبد ولكن يفضل تقديم الحر عليه. ينظر: الأم ١/ ١٩٢، البيان في مذهب الإمام الشافعي ٢/ ٤٢٠.
(٣) في (ب): الركوع.
(٤) رواه البخاري في صحيحه، كتاب الأحكام، باب السمع والطاعة للإمام ما لم تكن في معصية، (٦٧٢٣) من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه.
(٥) تعريف القياس: فِي اللُّغَةِ مِنَ الْمُمَاثَلَةِ مِنْ قَوْلِهِمْ: هَذَا قِيَاسُ هَذَا أَيْ مِثْلُهُ.
اصطلاحا: إِلْحَاقَ الْفَرْعِ بِالْأَصْلِ بِالْعِلَّةِ الْجَامِعَةِ بَيْنَهُمَا فِي الْحُكْمِ. يُنْظَر: البحر المحيط في أصول الفقه ٤/ ٤)، قواطع الأدلة في الأصول (٢/ ٦٩)، الحاوي في فقه الشافعي (١٦/ ١٣٦).
(٦) يُنْظَر: حاشية ابن عابدين (٢/ ٢٢٠).
(٧) في (ب): الأفضلية
(٨) في (ب): ولا
(٩) أقوال العلماء في مسألة تقديم العبد على الحر في الصلاة: الأحناف: (ويكره) تنزيها (تقديم العبد) لغلبة جهله؛ لأنه لا يتفرغ للتعلم، وعند الشافعي: لا تكره إمامة العبد للعبيد ولا للأحرار ولكن الحر أولي هذا مذهبنا ومذهب الجمهور وقال أبو مجلز التابعي تكره امامته مطلقا وهى رواية عن ابي حنيفة وقال الضحاك تكره امامته للاحرار ولا يكره للعبيد وعند المالكية: إمامة العبد فإن أبا حنيفة كرهها والشافعي لم يكرهها. ومذهبنا جوازها إذا لم يؤم إمامة راتبة ولم تكن الصلاة صلاة جمعة. وقد روي عن مالك أنه قال: لا يؤم العبد الأحرار إلا أن يكون يقرأ، وهم لا يقرؤون فيؤمهم في موضع الحاجة، وعند الحنابلة: إمامة العبد صحيحة من حيث الجملة. ينظر: اللباب في شرح الكتاب (١/ ٤٠)، المجموع (٤/ ٢٩٠)، شرح التلقين (١/ ٦٧٢)، الإنصاف (٢/ ١٧٦).
(١٠) تعريف الترجيح: لغة: زيادة الموزون تقول رجحت الميزان ثقلت كفته بالموزون.، اصطلاحا: تقوية أحد الدليلين بوجه معتبر. يُنْظَر: التوقيف على مهمات التعاريف (١/ ١٧٠).
(١١) في (ب): الورع والعلم.