للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والمعنى فيها: هو أن هذا طاهر اقتدى بطاهر في حقه فيصح اقتداؤه قياسًا على ما لو كان متوضئًا أو كان المقتدي متيممًا، وإنما قلنا: اقتدى بطاهر في حقه (١)؛ لأن التراب شرع طهور حال عدم الماء والعدم ثابت/ في حق الكل؛ لأن المسالة فيما إذا كان المقتدي غارمًا (٢)، فيكون الطهارة ثابتة في حقهما جميعًا، وذلك لأن التيمم اعتبر طهارة في حق الإمام بسبب العدم، والعدم ثابت في حق المتوضئ، وأما الجواب عن حديث علي قلنا: أراد به نفي الفضيلة والكمال لا نفي الجواز كما في قوله عليه السلام: «لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد» (٣).

والدليل عليه: عطف المقيد على ذلك، وهناك المراد نفي الفضيلة؛ لأن اقتداء المطلق بالمقيد جائز (٤).

وأما قوله: بأنه صلى بالتيمم مع القدرة على الأداء بالوضوء، قلنا: ليس في الاقتداء بالمتيمم إلا جعل صلاته بالتيمم بعد ما كان يقدر على أدائه بوضوء، فله ذلك فإنه لو أحدث في هذه الحالة مختارا لأمكنه (٥) الأداء بالتيمم بالاقتداء (٦)، فإذا كان في وسعه الأداء بالتيمم في هذه الحالة بأن يحدث كان له الأداء بالتيمم بالاقتداء، وهذا لأن التيمم ما جعل طهارة بشرط العجز عن الأداء بالوضوء حتى يقال: بأن العجز غير ثابت في حق هذا المتوضئ، بل جعل طهارة بشرط العدم لا بسبب الحاجة إلى الأداء بدليل أنه لم يقدره (٧) بقدر الحاجة، فإنه يبقى بعد الوقت، ويجوز في وقت الأداء في وقت الأداء عليه دل أنه شرع طهارة بشرط العدم لا غير، والعدم ثابت في حق الكل (٨).

قلت: وهذا في الحقيقة (٩) بناء على ما ذكر في أصول الفقه فقال شمس الأئمة السرخسي -رحمه الله- في أصول الفقه (١٠): فعلى قول أبي حنيفة وأبو يوسف التراب خلف عن الماء، وعند محمد: التيمم خلف عن الوضوء، وتظهر المسألة في المتيمم عنده لا يؤم المتوضئين؛ لأن التيمم خلف فكان المتيمم صاحب الخلف، وليس لصاحب الأصل القوي أن يبني صلاته على صلاة صاحب الخلف كما لا يبني المصلى بركوع وسجود صلاته على صلاته المومي، وعندهما التراب كان خلفًا عن الماء في حصول الطهارة (١١)، ثم بعد حصول الطهارة كان شرط الصلاة موجودا في حق كل واحد منهما بكماله بمنزلة الماسح يؤم الغاسلين قوله -رحمه الله- لأنه طهارة ضرورية من حيث إنه يصار إليه عند العجز والضرورة عن استعمال الماء، ولهما أنه طهارة مطلقة، أي: غير مؤقتة بوقت بخلاف طهارة المستحاضة، وهذا هو الفرق لهما بين المتيمم وبين صاحب الجرح السايل حيث يجوز الاقتداء (١٢) بالأول دون الثاني لما أن طهارة صاحب الجرح غير مطلقة، بل مؤقتة ببقاء الوقت، فإذا خرج الوقت تبطل.


(١) في (ب): زيادة فيصح.
(٢) في (ب): عادما الماء.
(٣) سبق تخريجه.
(٤) يُنْظَر: تبيين الحقائق: ١/ ١٣٣.
(٥) في (ب): أمكنه.
(٦) ساقط من (ب).
(٧) في (ب): إذا لم يقدر.
(٨) يُنْظَر: المحيط البرهاني: ١/ ١٩١.
(٩) في (ب): زيادة واضح.
(١٠) يُنْظَر: أصول السرخسي: ٢/ ٢٩٨.
(١١) في (ب): زيادة به.
(١٢) في (ب): الأداء.