للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أما إذا أراد به تعليمه؛ لأنه انتصب معلمًا في صلاته (١)، والتعليم ليس من أفعال الصلاة، فإذا كثر منه في الصلاة أوجب الفساد كما لو انتقل بعمل آخر، وإن لم يرد تعليمه، ولكن أراد به قراءة القرآن لا تفسد صلاته؛ لأنه انتصب قارئًا في صلاته، والقراءة من أعمال الصلاة، فلا تفسد وإن كثرت (٢)، ونظير هذا ما قالوا في رجل يصلي، فقال له إنسان: ما مالك؟ فقال: {وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ} (٣)، فإنه ينظر إن أراد به جوابه تفسد صلاته، وإن لم يرد به جوابه، بل أراد قراءة القرآن لا تفسد، وكذلك لو كان الرجل يصلي وإمامه كتاب موضوع، وخلفه رجل يسمى يحيى، فقال: {يَايَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ} (٤)، وكذلك لو قيل للمصلي: بأي موضع مررت؟ فقال: {وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ} (٥)، أو كان راكبًا في سفينته وابنه خارج السفينة، فقال: {يَابُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا} (٦) فهو على هذا التفصيل من مشايخنا من قال: ما ذكر في الكتاب قول أبي حنيفة ومحمد.

فأما على قول أبي يوسف لا تفسد صلاته أراد بذلك تعليمه أو لم يرد، وأراد (٧) به جواب السائل أو لم يرد؛ لأن الأصل عنده أن ما كان قرآنًا أو ثناء فإنه لا يتغير بالنية، وعندهما يتغير. كذا في «شروح الجامع الصغير» أيضًا (٨)، وذكر في «الجامع الصغير» لقاضي خان، وأبي اليسر رحمه الله (٩)، وذكر في الأصل إذا فتح غير مرة فسدت صلاته، وهذا إشارة إلى أنه ما لم يتكرر لا تفسد، ولم يشترط التكرار هنا، أي: في «الجامع الصغير» (١٠)، وهو الصحيح؛ لأنه كلام فيكون مفسدًا بنفسه، وإن فتح على إمامه لم يكن كلامًا، وإطلاق هذا دليل على أن ما إذا قرأ الإمام مقدار ما يجوز به الصلاة، أو لم يقرأ ولا تفسد صلاتهما بالفتح، والأخذ ويؤيد هذا ما ذكره قاضي خان في فتاواه فقال: وإن قرأ الإمام مقدار ما يجوز به الصلاة إلا أنه توقف ولم ينتقل إلى آية أخرى حتى فتح المقتدي اختلفوا فيه، والصحيح: أنه لا تفسد صلاة الفاتح، وإن أخذ الإمام لا تفسد صلاتهم لم يكن كلامًا استحسانًا (١١).


(١) ساقط من (ب). (وإن لم يرد بذلك تعليمه، ولكن أراد قراءة القرآن، فإن صلاته لا تفسد. أما إذا أراد به تعليمه؛ لأنه انتصب معلمًا في صلاته).
(٢) في (ب): كثر
(٣) سورة النحل الآية (٨).
(٤) سورة مريم الآية (١٢).
(٥) سورة الحج الآية (٤٥).
(٦) سورة هود الآية (٤٢).
(٧) في (ب): أو أراد
(٨) يُنْظَر: الجامع الصغير وشرحه النافع: ١/ ٩٢.
(٩) هو: محمد بن محمد بن الحسين بن عبد الكريم بن موسى بن مجاهد، أبو اليسر البزدوي، فقيه، أصولي ولي القضاء بسمرقند، تفقه عليه ركن الأئمة عبد الكريم بن محمد وأبو بكر محمد بن أحمد السمرقندي وولده القاضي أبو المعالي أحمد وغيرهم. قال السمعاني: أملى ببخارى الكثير ودرس الفقه كان من فحول المناظرين، قال عمر بن محمد النسفي: وكان شيخ أصحابنا بما وراء النهر، وكان إمام الأئمة على الإطلاق والوفود إليه من الآفاق، ملأ الكون بتصانيفه في الأصول والفروع، من تصانيفه: "المبسوط" في فروع الفقه.
ينظر: سير أعلام النبلاء: ١٩/ ٤٩)، و (الجواهر المضية: ٢/ ٢٧٠)، و (الفوائد البهية: ص ١٨٨).
(١٠) يُنْظَر: الجامع الصغير وشرحه النافع: ١/ ٩٢.
(١١) يُنْظَر: العناية شرح الهداية: ٢/ ١٣٧، والمحيط للبرهاني: ٢/ ٧٦.