للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قلت: وبقوله فيما لنا منه بدّ خرج الجواب عما قاله الشافعي رحمه الله بأنه لو كره هذا الصنيع؛ لأنه صنيع أهل الكتاب كان يجب أن يكره إذا كان يصلي، وهو يقرأ عن ظهر القلب؛ لأن منهم من يصلي هكذا، وكذلك نتصدق كما يتصدقون ونأكل ونشرب كما يأكلون ويشربون فلا يكره لما أن هذه الأشياء مما لنا منه بدّ.

وأبو حنيفة رحمه الله يقول: قرأ في صلاته مما تعلم فيها فلا يجزئه (١) صلاته، كما لو قرأ ما تعلم فيها من معلم؛ وذلك لأنه يتلقن من المصحف، فصار كمن تلقن من رجل (٢)، وكان الشيخ الإمام أبو بكر محمد بن الفضل رحمه الله يقول: إنا أجمعنا على أن الرجل إن كان يمكنه أن يقرأ من المصحف، ولا يمكنه القراءة عن ظهر القلب لو صلى بغير قراءة تجزئه، فلولا أن القراءة من المصحف مما تفسد الصلاة، وإلا ما أبيح له الصلاة بغير قراءة إلا أنهم لا يسلمون هذا (٣). كذا في مبسوط شيخ الإسلام، ولأنه يلقن من المصحف، وجعل الإمام شمس الأئمة السرخسي رحمه الله في هذا التعليل احتج، ذكره في «المبسوط» (٤).

وذكر في جامعه الصغير: وأما إذا كان يحفظه عن ظهر القلب، وهو مع ذلك ينظر في المكتوب على المحراب، ويقرأ فلا إشكال أنه يجوز صلاته (٥).

وذكر الإمام المحبوبي رحمه الله لم يفصل في الكتاب في هذه المسألة بين ما إذا قرأ قليلًا أو كثيرًا من المصحف، وقال بعض مشايخنا: إن قرأ مقدار آية تامة تفسد صلاته عند أبي حنيفة رحمه الله، وإلا فلا (٦).

وقال بعضهم: إن قرأ مقدار الفاتحة تفسد صلاته، وفيما دون هذا لا تفسد، ولو نظر إلى مكتوب، وفهمه، فالصحيح: أنه لا تفسد أي مكتوب هو، غير القرآن؛ لأنه لو نظر إلى مكتوب هو قرآن وفهمه لا خلاف فيه لأحد أنه لا يجوز، ولأنه ذكر شمس الأئمة في «الجامع الصغير» هذه المسألة، وقال: ولم يذكر ما إذا تأمل في المكتوب على المحراب مما سوى القرآن حتى فهم ذلك من غير أن يقرأ بلسانه هل يجوز صلاته، فالصحيح: أنه يجوز لأنه وإن فهم ذلك فبالنظر فيه لا يكون متكلمًا، والمفسد هو الكلام (٧).


(١) في (ب): يجوز.
(٢) يُنْظَر: تبيين الحقائق: ١/ ١٥٨.
(٣) يُنْظَر: المحيط البرهاني: ١/ ٤٤٧، ٢/ ٧٨.
(٤) يُنْظَر: المَبْسُوط للِسَّرَخْسِي: ١/ ٣٧٠.
(٥) يُنْظَر: المحيط البرهاني: ٢/ ٧٩.
(٦) ساقط من (ب) (تفسد صلاته عند أبي حنيفة رح، وإلا فلا)
(٧) يُنْظَر: الفتاوى الهندية: ١/ ١٠١، وتبيين الحقائق: ١/ ١٥٩.