للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وذكر شيخ الإسلام: المصلي إذا نظر في المحراب، فإذا فيه مكتوب: كن في صلاتك خاشعًا، فنظر في ذلك، وتأمل حتى فهم قال بعض مشايخنا على قول أبي يوسف: لا تفسد، وعلى قول محمد تفسد قاسوا هذه المسألة على مسألة اليمين بأن حلف لا يقرأ كتاب فلان، فوصل إليه كتاب فلان، فنظر فيه حتى فهم (١)، ولم يقرأ بلسانه، قال أبو يوسف: لا يحنث في يمينه؛ لأنه لم يقرأ بلسانه، والقراءة مما تكون باللسان، وعلى قول محمد يحنث متى فهم ما فيه، فجعل محمد التفهم كالقراءة في حق الحنث، فكذا في حق إفساد الصلاة، ثم لو قرأ: كن في صلاتك خاشعًا تفسد صلاته، فكذا هذا، ولهذا قالوا: يجب أن لا يضع المصلي الجزء بين يديه؛ لأنه ربما يكون مكتوبًا فيها الجزء الثاني أو الأول، فينظر في ذلك ويفهم، فيدخل في ذلك شبهة الاختلاف، فيجب أن تتحرز عن هذا، ومن مشايخنا من يقول على قول محمد أيضًا لا يفسد وإن فهم، وقد روي عن محمد نصًّا أن صلاته لا تفسد، ولأن قراءة الكتاب غير مقصود في نفسه، وإنما المقصود علم ما فيه، فينصرف اليمين إلى ما هو المقصود (٢).

وأما قراءة القرآن فمقصود بنفسه، فينصرف اليمين إلى القراءة لا إلى التفهم، والدليل عليه أنه لو نظر إلى جبين امرأته وعليه مكتوب: أنت طالق، وفهم ولم يقرأ لا تطلق امرأته، وكذلك إذا كان أنت حرّ مكتوبًا في جبين عبده، فنظر وفهم (٣) لا يعتق عبده، فدل أن محمدًا إنما جعل/ التفهم بمنزلة القراءة في (٤) قراءة الكتاب خاصة، فأما في حق سائر الأحكام المتعلقة بالنطق لا يجعل التفهم كالقراءة، وذكر شمس الأئمة السرخسي رحمه الله، وزعم بعض مشايخنا أن على قياس قول محمد ينبغي أن تفسد صلاته قياسًا على مسألة الحلف، ولكن الأصح هو الفرق بينهما؛ لأنه اعتبر العادة هناك؛ لأن مقصود الحالف الامتناع عن قراءة كتابه لكيلا يقف على أسراره، وذلك يحصل بالنظر فيه والتفهم، فلا كذلك هاهنا، ثم ليس المراد بحديث ذكوان أنه كان يقرأ من المصحف في الصلاة إنما المراد بيان حاله أنه كان لا يقرأ جميع القرآن عن ظهر القلب، والمقصود بيان أن (٥) قراءة جميع القرآن في قيام رمضان ليست بفرض ألا ترى أن القراءة من المصحف مكروه عندنا، فلا يتوهم على عائشة رضي الله عنها أنها تؤدي صلاتها على وجه مكروه، وقيل: تأويله أنه كان يستظهر من المصحف، ثم يقرأ في الصلاة (٦).


(١) في (ب): فهمه.
(٢) يُنْظَر: المحيط البرهاني: ٢/ ٧٨.
(٣) في (ب) زيادة ولم يقرأ.
(٤) في (ب): زيادة حق.
(٥) في (ب) أنه.
(٦) يُنْظَر: المَبْسُوط للِسَّرَخْسِي: ١/ ٣٧٠.