للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولأن النفل تبع للفرض، والفرض بعد طلوع الشمس أربع، فكذلك النفل ألا ترى أن فرض الفجر لما كان ركعتين كان النفل ركعتين أيضًا، وأما بعد الظهر شرع ركعتين تيسيرًا فقبل ذلك صلى ثمانيًا؛ وذلك لأنه شرع للظهر مكمل على مثال الفرض أربع ركعات قبلها، فكانت الركعتان بعدها زيادة على المكمل، فلذلك اقتصر على الركعتين تيسيرًا، فأما الجمعة فأصلها أربع، وبسبب الخطبة عادت إلى ركعتين، فكان النفل أربعًا على أصل القياس.

وأما صلاة العيد فمشبهة بصلاة الجمعة، فجعلت ركعتين، ولأنها تقام بجمع عظيم، فبنى على الأيسر كالتراويح، فإن للجماعة تأثيرا في التخفيف كما في القراءة (١). والجواب عن الحديث الأول معنى قوله: «بتسليمتين» (٢)، أي: بتشهدين، فسمى التشهد تسليمًا لما شرع فيها من السلام كما يسمى تشهدا لما فيها من الشهادة، وقد روي هذا التأويل عن ابن مسعود رضي الله عنه، وأما عن الثاني: فالمشهور من صلاة الليل مثنى مثنى، والنهار غريب ولأن ثبت فمعنى قوله: مثنى، أي: شفع لا واحدة حتى لا يصلي البتيراء، وأما زيادة التحريمة، فقلنا: البقاء على التحريمة أفضل من القطع كما في حق الفرض شرع أربعًا، ولأن التحريمة إنما تثبت بقوله: الله أكبر (٣)، وهو يوجد عند قيامه إلى الثالثة (٤) كذا/ في المبسوطين (٥)، و «الأسرار» (٦).

وتكره الزيادة على ذلك، أي: على الأربع لأن الإباحة إنما يعرف بالأثر، ولم ير الأثر في نوافل النهار أكثر من الأربع (٧) بتحريمة واحدة.

قوله: فأما نافلة الليل … إلى قوله: ويكره الزيادة (٨).

وفي «المبسوط» (٩): والأصح أنه لا يكره الزيادة على ثمان ركعات، وقال: روي «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي بالليل خمس ركعات، سبع ركعات، تسع ركعات، إحدى عشرة ركعة، ثلاث عشرة ركعة» (١٠)، والذي قال: خمس ركعات ركعتان (١١) صلاة الليل وثلاث وتر، والذي قال: سبع ركعات: أربع صلاة الليل وثلاث وتر، والذي قال: تسع ركعات: ست صلاة الليل وثلاث وتر، والذي قال: إحدى عشرة ركعة: ثمان صلاة الليل وثلاث وتر، والذي قال: ثلاث عشرة (١٢) ركعة: ثمان صلاة الليل وثلاث وتر (١٣) وركعتان سنة الفجر، وكان يصلي هذا كله في الابتداء، ثم فضل البعض على البعض، هكذا ذكره حماد بن سلمة (١٤) ولم يذكر كراهة الزيادة على ثماني ركعات بتسليمة، والأصح: أنه لا يكره؛ الزيادة لأن فيه وصلًا بالعبادة، وذلك أفضل، ثم قال: والأربع أحب إليّ. وهذا قول أبي حنيفة رحمه الله، وأما عندهما وعند الشافعي: فالأفضل ركعتان. ولكن ذكر في مبسوط شيخ الإسلام وغيره ما يوافق رواية الكتاب، فقال: ولما ثبت من فعل النبي عليه السلام في صلاة الليل ما بينا ثبت أن الرخصة انتهت إلى الثماني فلا يزيد عليه، وإن زاد على الثماني يكره، لكن يلزمه؛ لأن هذه الكراهة لا يكون أشد من كراهة تكون عند طلوع الشمس وغروبها، وذلك لا يمنع اللزوم بالتحريمة فكذا هذا، وهذا كله عندنا، وقال الشافعي رحمه الله: لا يزيد على الأربع، ولو زاده كره له ذلك (١٥)، وقاس نفل الليل على نفل النهار إلا أنه بما قال: ترك الأثر الوارد عن النبي عليه السلام، وهذا الذي ذكرنا في حق الإباحة، فأما في الأفضل فقال أبو حنيفةرحمه الله: الأفضل أن يصلي أربعًا بتحريمة واحدة، وقالا: الأفضل مثنى مثنى لما روي عن النبي عليه السلام أنه قال: «صلاة الليل مثنى مثنى، وفي كل ركعتين فسلم» (١٦)، واستدلًّا بالتراويح أيضًا، ولأبي حنيفة رحمه الله ما استدل في الكتاب، وما روي: أن ابن عباس رضي الله عنهما (١٧) بات عند خالته ميمونة رضي الله عنها (١٨) يراقب صلاة رسول الله بالليل بعثه أبوه العباس (١٩) لذلك قال: «فلما صلى العشاء رقد رقدة، ثم أنتبه فقام ونظر إلى السماء فقرأ خاتمة سورة آل عمران: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ (١٩٠)} (٢٠)، ثم عدل إلى شن وتوضأ فصلى أربع ركعات بتسليمة واحدة، ثم رقد رقدة، ثم أنتبه فقام ونظر إلى السماء، وقرأ خاتمة سورة آل عمران، وتوضأ وصلى أربع ركعات بتسليمة» (٢١).


(١) انظر: الجوهرة النيرة: ١/ ٧١.
(٢) سبق تخريجه في ص ()
(٣) ساقط من ب (أكبر)
(٤) ساقط من ب (الثالثة)
(٥) انظر: المبسوط للسرخسي: ١/ ٢٨٩.
(٦) انظر: كشف الأسرار: ٣/ ٥٧٢.
(٧) ساقط من ب (الأربع)
(٨) انظر: العناية شرح الهداية: ١/ ٤٤٦.
(٩) انظر: المبسوط للسرخسي: ١/ ٢٨٩.
(١٠) أخرجه ابن ماجه في سننه، كتاب: إقامة الصلوات والسنة فيها، باب ما جاء في الوتر بثلاث وخمس وسبع وتسع (٢/ ٢٦٠) رقم الحديث: ١١٩٢. قال شعيب الأرنؤوط: إسناده ضعيف لانقطاعه، مقسم -وهو ابن بجرة، ويقال: نجدة، مولى ابن عباس- لم يسمع من أم سلمة، وقد اختلف في إسناده على الحكم بن عتيبة كما هو مبين في التعليق على "المسند" (٢٥٦١٦). زهير: هو ابن معاوية الجعفي.
(١١) ساقط من ب (ركعتان)
(١٢) في الأصل: عشر، والصواب ما أثبتناه.
(١٣) ساقط من ب (والذي قال: ثلاث عشرة ركعة: ثمان صلاة الليل وثلاث وتر)
٣٣ - ساقط من ب (لمايثبت)
(١٤) هو: حماد بن سلمة بن دينار البصري الربعي بالولاء، أبو سملة: مفتي البصرة، وأحد رجال الحديث، ومن النحاة. كان حافظا ثقة مأمونا، إلا أنه لما كبر ساء حفظه فتركه البخاري، وأما مسلم فاجتهد وأخذ من حديثه بعض ما سمع منه قبل تغيره. ونقل الذهبي: كان حماد إماما في العربية، فقيها، فصيحا مفوها، شديدا على المبتدعة، له تآليف. وقال ابن ناصر الدين: هو أول من صنف التصانيف المرضية.
(الثقات لابن حبان: ٦/ ٢١٦)، و (الجرح والتعديل: ٣/ ١٤٠)، و (تهذيب الكمال: ٧/ ٢٥٣).
(١٥) ينظر: الحاوي الكبير ٢/ ٢٨٩، المجموع ٤/ ٥١.
(١٦) رواه البخاري في صحيحه (٩٤٦)، كتاب أبواب الوتر، باب ما جاء في الوتر. ومسلم في صحيحه (٧٤٩)، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب صلاة الليل مثنى مثنى. من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.
(١٧) هو: عبد الله بن عباس بن عبد المطلب الصحابي الجليل حبر الأمة، كنيته أبو العباس، توفي النبي صلى الله عليه وسلم وهو ابن أربع عشرة سنة. ولد قبل هجرة النبي صلى الله عليه و سلم بأربع سنين. قال له النبي صلى الله عليه و سلم: «اللهم علمه الحكمة». مات سنة ثمان وستين بالطائف. له في الصحيحين وغير هما ١٦٦٠ حديثًا.
(الإصابة في تمييز الصحابة: ٤/ ١٤١)، و (التاريخ الكبير: ٥/ ٣)، و (تهذيب الكمال: ١٥/ ١٥٤).
(١٨) هو: ميمونة بنت الحارث بن حزن الهلالية. آخر امرأة تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وآخر من مات من زوجاته. كان اسمها (برة) فسماها (ميمونة) بايعت بمكة قبل الهجرة. وكانت زوجة أبي رهم بن عبد العزى العامري. ومات عنها. فتزوجها النبي صلى الله عليه وسلم سنة ٧ هـ. وروت عنه ٧٦ حديثًا. وعاشت ٨٠ سنة. وتوفيت في (سرف) وهو الموضع الذي كان فيه زواجها بالنبي صلى الله عليه وسلم قرب مكة، ودفنت به.
(الإصابة في تمييز الصحابة: ٨/ ١٢٦)، و (الثقات لابن حبان: ٢/ ١٤٠)، و (تهذيب الكمال: ٣٥/ ٣١٢).
(١٩) هو: العباس بن عبد المطلب بن هاشم، أبو الفضل: عم النبي صلى الله عليه وسلم، من أكابر قريش في الجاهلية والإسلام، وجد الخلفاء العباسيين. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في وصفه: أجود قريش كفا وأوصلها، هذا بقية آبائي!. وكان محسنا لقومه، سديد الرأي، واسع العقل، مولعا بإعتاق العبيد، كارها للرق، وشهد فتح مكة. مات سنة ٣٢ هـ.
(الإصابة في تمييز الصحابة: ٣/ ٦٣١)، و (الطبقات الكبرى: ٤/ ٥)، و (تاريخ دمشق: ٢٦/ ٢٧٣).
(٢٠) سورة آل عمران الآية (١٩٠).
(٢١) رواه البخاري في صحيحه (١٨١)، كتاب الوضوء، باب قراءة القرآن بعد الحدث وغيره. ومسلم في صحيحه (٦٧٣)، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب الدعاء في صلاة الليل وقيامه.