للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قوله: (١) لأن كل شفع من التطوع صلاة على حده، فإن قلت: كيف يصح هذا التعليل على قول أبي حنيفة رحمه الله، وفي قوله: لا تبطل التحريمة بترك القراءة في ركعة على ما ذكر، فلو كان كل شفع من التطوع صلاة على حده يجب أن يبطل التحريمة كما إذا ترك القراءة في إحدى ركعتي صلاة الفجر حيث يفوت الفرض هناك على وجه لا يمكن إصلاحه، ذكره في «المحيط» (٢).

قلت: وقد أشرنا إلى الفرق بينهما على قول أبي حنيفة رحمه الله في بيان ترك القعدة الأولى في التطوع من ذوات الأربع وهو أن فرض الفجر مما لا يزيد ولا ينقص، فكان ترك القراءة في إحدى ركعتيه بمنزلة ترك القراءة في الشفع الأول من ذوات الأربع من التطوع من حيث إن كلا منهما نصف الصلاة، فكان مبطلا لتحريمة الفجر كما إذا ترك القراءة في الشفع من التطوع، وأما ذوات الأربع من التطوعات صار كل شفع منها على صلاة حده من حيث وجوب القراءة في كل ركعة منها/ ولزوم القعدة الأولى، ولكن لما قام إلى الثالثة صار كلها بمنزلة صلاة واحدة؛ لأن التطوع مما يزيد وينقص فكان عدم الفساد بترك القراءة في ركعة منها عملًا بالاحتياط (٣).

وذكر في «المحيط» (٤): أن أبا حنيفة رحمه الله عمل بالاحتياط حيث قال: إن الأمر بفعل القراءة لا يقتضي التكرار، لكن أوجبنا القراءة في الركعة الثانية احتياطًا؛ لأن الركعة الثانية تكرار الأولى على ما سبق، والاحتياط هنا في أن لا تجعل القراءة فرضًا في الثانية في حق بقاء التحريمة حتى بحكم (٥) صحة الشروع في الشفع الثاني، فيجب عليه إتمام الشفع ولا يحكم بصحة الأداء احتياطًا أيضًا، فأخذنا في كل حكم بالاحتياط، وإلى هذا أشار في الكتاب بقوله: فَقَضَيْنَا بِالْفَسَادِ إلى أن قال: احتياطًا.

وقال شيخ الإسلام في «المبسوط»: وما قاله أبو حنيفة رحمه الله عدل بين القولين، فإنه قال: بالفساد وببقاء التحريمة، وقال محمد: بأن التحريمة تنقطع أصلًا، وقال أبو يوسف رحمه الله: بالصحة فكان ما قاله أبو حنيفة عدلا بين القولين حيث أوجب الفساد بفساد الأداء ولم يرفع التحريمة؛ لأنه لم يوجد ما يقطعه (٦).


(١) بياض في الأصل.
(٢) انظر: المحيط البرهاني: ١/ ٤٥٠، ٤٥١.
(٣) انظر: رد المحتار: ٢/ ٣٤.
(٤) انظر: المحيط البرهاني: ٢/ ١٥٣.
(٥) - في ب يحكم بدل من بحكم
(٦) انظر: العناية شرح الهداية: ١/ ٤٥٨، ٤٥٩. والبحر الرائق: ٢/ ٦٤.