للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وذكر في «المبسوط» (١): والأخريان لا يكونان قضاء عن الأوليين؛ لأنه بناهما على تلك التحريمة، والتحريمة الواحدة لا يتسع (٢) فيها الأداء والقضاء، ولو قرأ في إحدى الأوليين، وإحدى الأخريين فعند أبي حنيفة وأبي يوسف رحمه الله يلزمه قضاء أربع ركعات، وعند محمد رحمه الله يلزمه قضاء ركعتين، فمحمد (٣) مر على أصله أن التحريمة انحلت (٤) بترك القراءة في إحدى الأوليين، وأبو يوسف مر على أصله أن التحريمة باقية، فصح شروعه في الشفع الثاني، وقد أفسده. وأما أبو حنيفة (٥) رحمه الله فقد جرت محاورة بين أبي يوسف ومحمد في مذهبه حين عرض عليه «الجامع الصغير»، فقال أبو يوسف: رويت لك عنه أن عليه قضاء ركعتين، وقال محمد: بل/ رويت لي أن عليه قضاء أربع ركعات، وقيل: ما حفظه أبو يوسف هو قياس مذهبه؛ لأن التحريمة ضعفت بالفساد بترك القراءة في ركعة، فلا يلزمه الشفع الثاني بالشروع في هذه التحريمة، والاستحسان ما حفظه محمد؛ لأن الشروع وإن حصل بصفة الفساد، فقد آكده بوجود القراءة في ركعة قضاء ذلك ملزم إياه (٦).

قوله: قال رحمه الله -أي: قال محمد في «الجامع الصغير» (٧): وتفسير قوله عليه السلام: «لا يصلي بعد صلاة مثلها» (٨) هذا اللفظ مروي عن رسول الله عليه السلام، وعن علي وعبدالله بن مسعود رض (٩) يعني ركعتين بقراءة، وركعتين بغير قراءة أي النفل (١٠) لا يشبه الفرض بحال، وإنما حملنا على هذا؛ لأنه حديث ثبت خصوصية بالإجماع، فإن الرجل يصلي ركعتي الفجر، ثم الفرض ويصلي ركعتي الظهر في سفر، ثم ركعتي السنة، وأربعًا قبل الظهر، ثم الظهر في الإقامة، فاستقام حمله على وجه صحيح، وقد قال بعض مشايخنا: إن المراد به الزجر عن تكرار الجماعات في المساجد، وهذا تأويل وهو ما ذكره أن يصلي التطوع ركعتين بقراءة وركعتين بغير قراءة حسن، فيكون حجة على الشافعي، وقال بعضهم: أراد به أن لا يقضي المرء ما أداه من الفرائض بوسوسته، فإن النبي عليه السلام لما صلى الفجر ضحى النهار بعد ليلة التعريس قال له أصحابه من الغد: ألا تعيد صلاة الأمس، فقال: «إن الله تعالى نهاكم عن الربا أفيقبله منكم» (١١)، كذا ذكره فخر الإسلام في «الجامع الصغير» (١٢)، فمن خالفنا أخذ بالظاهر، وقال: لا ينبغي أن يتطوع بعد العشاء بأربع ركعات بتسليمة واحدة (١٣) ذلك لا يكون مصليًا بعد الصلاة مثلها، ونحن نقول: ليس المراد من هذا إعداد الركعات، ولكن المراد صفة القراءة، ولو حمل على النهي عن تكرار الجماعة في المسجد أو على النهي عن قضاء الفرائض مخافة الخلل في المؤدي كان حسنًا، فإن ذلك مكروه، كذا في «الجامع الصغير» لشمس الأئمة وقاضي خان رحمه الله (١٤).


(١) انظر: المبسوط للسرخسي: ١/ ٢٩٢.
(٢) في ب لا يسع بدل من يتسع.
(٣) في ب أبي يوسف بدل من محمد.
(٤) في ب ما انحلت بدل من انحلب.
(٥) ساقط من ب (أما أبو حنيفة رح).
(٦) انظر: العناية شرح الهداية: ١/ ٤٥٩، والمبسوط للسرخسي: ١/ ٢٩٣.
(٧) انظر: الجامع الصغير وشرحه النافع: ١/ ٩٩، والبحر الرائق: ١/ ٦٦، ٦٧.
(٨) ذكره ابن حجر في الدراية في تخريج أحاديث الهداية (١/ ٢٠٢). قال ابن حجر بعد أن ذكره: لم أجده.
(٩) أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه (٦٠٥٢ - ٢/ ٢٠٦). قال الإمام الألباني: إسناده حسن فى المتابعات والشواهد إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل (٣/ ٤).
(١٠) - في ب الفعل بدل من النفل
(١١) أخرجه أحمد في مسنده (١٩٩٧٨ - ٤/ ٤٤١)، والطبراني في المعجم الكبير (٣٧٨ - ١٨/ ١٦٨)، والبيهقي في سننه الكبرى (٣٢٩٩ - ٢/ ٢١٧). قال الإمام الألباني: إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين. انظر: صحيح أبي داود - الأم (٢/ ٣٣٩).
(١٢) انظر: الجامع الصغير وشرحه النافع: ١/ ٩٩، والبحر الرائق: ١/ ٦٦، ٦٧.
(١٣) - ساقط في ب (واحدة)
(١٤) انظر: المبسوط للسرخسي: ١/ ٢٩١، والبحر الرائق: ١/ ٦٦.