للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قوله: لقوله عليه السلام: «صلاة القاعد على النصف من الصلاة القائم» (١)، أي: في حق الأجر، فإن قلت: هذا الحديث لم يتعرض لصلاة التطوع، والفرض ولا لحالة القدرة (٢)، وغير حالة القدرة (٣)، فكيف وجه التمسك به لما ادعاه من جواز صلاة النافلة قاعدًا مع قدرته على القيام (٤). قلت: الإجماع منعقد على أن صلاة الفرض بدون العجر لا يجوز قاعدًا، وكذا هو منعقد أيضًا على أن صلاة القاعد لعذر يعجزه عن القيام مساوية لصلاة القائم في الفضيلة والأجر (٥)، فلم يبق حينئذٍ إلا صلاة المتطوع قاعدًا بدون العذر فهو على نصف الأجر من صلاة القائم، ولأنه عليه السلام يصلي ركعتين بعد الوتر قاعدًا، وعنه عليه السلام أنه كان يجلس في عامة صلاته بالليل تخفيفًا. كذا ذكره شيخ الإسلام رحمه الله (٦).

ولأنه كان مخيرًا بين أن يصلي وبين أن لا يصلي، فيجوز أن يكون مخيرًا بعد الشروع بين أن يأتي بأفضل الأحوال وغير أفضلها إذا لقاعد مستجمع الأركان خصوصًا على قول أبي حنيفة وأبي يوسف حتى صح اقتداء القائم بالقاعد في الفرائض (٧).

قوله: وَاخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّةِ الْقُعُودِ، وذكر في التتمة من يصلي التطوع قاعدًا بعذر أو بغير عذر، ففي التشهد يقعد كما في سائر الصلوات إجماعًا أما حالة العجز يقعد القيام كله (٨)، فعن أبي حنيفة رحمه الله إن شاء فكذلك قعد وإن شاء تربع، وإن شاء احتبى (٩)، وعن أبي يوسف: يحتبي، وعن محمد أنه يتربع، وعن زفر أنه يقعد كما في التشهد (١٠)، وفي مختصر الكرخي رحمه الله: عن محمد، عن أبي حنيفة رحمه الله يقعد كيف شاء (١١)، وذكر الفقيه أبو الليث أن الفتوى على قول زفر، وكذا اختاره شمس الأئمة السرخسي أيضًا ذكره في «المبسوط» (١٢)، (١٣) إلا أن شيخ الإسلام رحمه الله (١٤) اختار الاحتباء (١٥)، وقال: روي عن أبي حنيفة أنه قال: الأفضل له أن يقعد في موضع القيام محتبئًا؛ لأن عامة صلاة رسول الله عليه السلام في آخر العمر كان محتبئًا، ولأن المحتبي يكون أكثر توجيهًا لأعضائه إلى القبلة؛ لأن الساقين يكونان متوجهتين كما يكون حالة القيام؛ لأن الشروع معتبر بالنذر، أي: من حيث إن كل واحد منها يلزم أداء الصلاة، ثم من نذر أن يصلي ركعتين/ قائمًا لم يجزه أن يقعد فيهما من غير عذر، فكذلك إذا


(١) رواه ابن ماجه في سننه (١٢٣٠)، كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، باب صلاة القاعد على النصف من صلاة القائم. والنسائي في سننه (١٦٥٩)، كتاب قيام الليل وتطوع النهار، باب فضل صلاة القائم على صلاة القاعد. قال الألباني: صحيح.
(٢) - في ب العذر بدل من الفدرة
(٣) - في ب العذر بدل من القدرة
(٤) انظر: العناية شرح الهداية: ١/ ٤٦٠، والجوهرة النيرة: ١/ ٧٤.
(٥) انظر: الجوهرة النيرة ١/ ٧٤، البناية ٢/ ٥٤١.
(٦) انظر: مراقي الفلاح: ١/ ١٥٢.
(٧) انظر: المحيط البرهاني: ٢/ ١٨٧.
(٨) في الأصل على الهامش الايسر زيادة (كيف شاء، وذكر الفقيه أبو الليث: أن الفتوى على قول زفر، وكذا اختاره شمس الأئمة السرخسي أيضًا ذكره في «المبسوط» إلا أن شيخ الإسلام رح اختار الاجتباء، وقال: روي عن أبي حنيفة رحمه الله).
(٩) - في ب اجتثى بدل من احتبى
(١٠) انظر: العناية شرح الهداية: ١/ ٤٦٠، ٤٦١.
(١١) انظر: المحيط البرهاني: ٢/ ٢٨٦.
(١٢) انظر: المبسوط للسرخسي: ١/ ٣٨٣.
(١٣) انظر: العناية شرح الهداية: ١/ ٤٦٠، ٤٦١.
(١٤) في الأصل: رح اله.
(١٥) - في ب اختار الاجتثاء بدل من اختيار الاجتباء