للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يقف حتى انحطّ ليركع، فرفع الإمام رأسه قبل أن يركع، ثم ركع، وأجمعوا أنه لو انتهى إلى الإمام، وهو قائم فكبّر، ولم يركع مع الإمام حتى رفع الإمام رأسه، ثم ركع أنه يصير مدركًا لهذه الركعة، وأجمعوا أنه لو اقتدى به في قومة الركوع لم يصر مدركًا لتلك الركعة وجه (١) قولهم: إنه أدركه فيما له حكم القيام، وهو الركوع على ما جاء في الأثر من أدرك الركوع، فقد أدرك القيام، ولهذا قلنا: يأتي تكبيرات العيد في الركوع مع أنه يؤتي بها في حقيقة القيام، وهذا لأن القائم إنما يفارق القاعد في النصف الأسفل، والراكع كالقائم في استواء النصف الأسفل منه، ولنا حديث ابن عمر (٢) أنه قال مثل مذهبنا، وفي حديث أبي بكرة رضي الله عنه (٣): أنه كبر وركع عند باب المسجد، ثم دبّ (٤) راكعًا حتى التحق بالصفوف، فقال عليه السلام: «زادك الله حرصًا ولا تعد» (٥) (٦).

ولو لم يكن مشاركته مع الإمام في الركوع شرط الإدراك في الركعة لما فعل هكذا، ولأن الركوع ليس بقيام؛ لأن القيام عبارة عن استواء النصفين، والنصف الأعلى مبين منه، فقلنا: لشبهة بالقيام (٧) إذا أدركه في الركوع يصير مدركًا للركعة، ولشبهة بغير القيام لا يصير مدركًا للركعة إذا لم يركع معه عملًا بالشبهين بخلاف ما لو (٨) أدركه في القيام؛ لأنه شاركه فيما هو قيام من كل وجه، ثم إذا دخل المسجد والإمام راكع فقد قال بعض مشايخنا: ينبغي له أن يكبر ويركع، ثم يمشي حتى يلتحق بالصف كي لا يفوته الركعة (٩). قال شمس الأئمة السرخسي رحمه الله: وأكثر مشايخنا على أنه لا يكبر لكيلا يحتاج إلى المشي في الصلاة، فمن اختار القول الأول قال: معنى قوله: «لا تعد» أي: لا تؤخر المجيء إلى هذه الحالة، ومن اختار القول الثاني قال: معناه لا تعد إلى مثل هذا الصنيع وهو التكبير قبل الاتصال بالصف والمشي في الركوع، وإنما لم يأمر بإعادة الصلاة؛ لأن ذلك كان في وقت كان العمل في الصلاة مباحًا، ثم إذا أدرك الإمام في الركوع وهو يعلم أنه لو اشتغله بثناء الافتتاح ألا يفوته الركوع، فإنه يثني؛ لأنه أمكنه إقامة الأمرين، فلا يترك واحدًا منهما وإن كان يفوته الركوع لو اشتغل بالثناء قال بعضهم: يثني؛ لأن الركوع يفوته إلى خلف وهو القضاء، ولو ترك الثناء أصلًا والفوت إلى خلف أهون من الفوت أصلًا، وقال بعضهم: لا يثني؛ لأن الركوع وإن كان لا يفوته فسنة الجماعة فيها يفوته ففضيلة الجماعة آكد (١٠) من فضيلة الثناء. كذا ذكر الإمام المحبوبي رحمه الله (١١).


(١) انظر: العناية شرح الهداية: ١/ ٤٨٢.
(٢) - في ب عمر بدل من ابن عمر
(٣) هو: نفيع بن الحارث بن كلدة الثقفي، أبو بكرة: صحابي، من أهل الطائف. له ١٣٢ حديثًا. توفي بالبصرة.
وإنما قيل له: أبو بكرة؛ لأنه تدلى ببكرة من حصن الطائف إلى النبي صلى الله عليه وسلم. وهو ممن اعتزل الفتنة يوم الجمل، وأيام صفين.
(الثقات لابن حبان: ٣/ ٤١١)، و (تهذيب التهذيب: ١٠/ ٤١٨)، و (تهذيب الكمال: ٣٠/ ٥).
(٤) - في ب دنا بدل من دب
(٥) رواه البخاري في صحيحه (٧٥٠)، كتاب الأذان، باب إذا ركع دون الصف.
(٦) انظر: المبسوط للسرخسي: ٢/ ١٧٠.
(٧) - ساقط من ب (لأن القيام عبارة عن استواء النصفين، والنصف الأعلى مبين منه، فقلنا: لشبهة بالقيام)
(٨) - في ب ما إذا بدل من ما لو
(٩) انظر: الفتاوى الهندية: ١/ ١٢٠.
(١٠) في ب أكثر بدل من آكد.
(١١) انظر: الفتاوى الهندية: ١/ ١٢٠، وتبيين الحقائق: ٢/ ٣٨٢ ن. م.