للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قوله: وَقِيلَ هَذَا فِي الْجَمِيعِ، وهو اختيار صدر الإسلام (١)، فقال: هو في «الجامع الصغير» (٢) من أصحابنا من قال: أراد به غير سنة الفجر وغير سنة الظهر، ولكن عندي هذا ليس بشيء فإنه لو كان المراد هكذا لم يكن لهذا الوضع فائدة، فإن في حق كل من يصلي مكتوبة الجواب كذلك، بل هو مطلق، ولأن محمدًا متى ذكر التطوع قبل المكتوبة يريد به السنة، فإن من صلى المكتوبة وحده لا بأس بأن يترك السنن سنة الفجر، والظهر، وغيرهما؛ لأن النبي عليه السلام ما أتى بالركعتين، ولا الأربع (٣) قبل الظهر إلا عند أداء المكتوبة بجماعة، ولم يروا عنه أنه أتى بذلك وهو (٤) يصلي وحده، ولهذا قال أبو جعفر وأبو يوسف (٥) رحمه الله: لا يأتي بركعتي الفجر إذا لم يصلهما قبل الفجر بعد ارتفاع الشمس؛ لأن النبي عليه السلام ما أتى بهما في ذلك الوقت إلا مع الفجر، ولكن ذكر أخوه فخر الإسلام في شرح الجامع الصغير وغيره من المشايخ كشمس الأئمة السرخسي، وصاحب المحيط، وقاضي خان، والتمرتاشي، والمحبوبي اختار كلهم القول الأول، وهو قوله قبل هذا في غير سنة الفجر والظهر لزيادة وكارة فيهما (٦) (٧).

وقال الإمام قاضي خان: والأول أصح والأخذ به أحوط؛ لأن السنة بعد المكتوبة شرعت لجبر نقصان تمكن في المكتوبة وقبلها لقطع طمع الشيطان عن المصلي، فيقول: لما لم يطعني في ترك ما يكتب عليه كيف يطيعني في ترك ما كتب عليه؟ والمنفرد إلى ذلك أحوج (٨).

ومن انتهى إلى الإمام في ركوعه فكبّر ووقف حتى رفع الإمام رأسه، يعني: وقد تمكن من الركوع أو لم يتمكن لم يصير مدركًا لتلك الركعة عندنا خلافًا لزفر رحمه الله، وسفيان الثوري (٩)، وابن أبي ليلى (١٠)، وعبد الله بن المبارك (١١)، وعلى هذا الخلاف لو لم


(١) انظر: الفتاوى الهندية: ١/ ١٢١.
(٢) انظر: الجامع الصغير: ١/ ٩١.
(٣) ساقط من ب (ولا الاربع).
(٤) زيادة في ب (ما).
(٥) في ب أبو حنيفة وأبو يوسف بدل من أبو جعفر وأبو يوسف.
(٦) في الأصل هامش: قال: في الأوضح، والقول الثاني من بعض الأصحاب يعلم ولا يفتى به.
(٧) انظر: شرح فتح القدير: ١/ ٤٨٠.
(٨) انظر: مراقي الفلاح: ١/ ١٤٥.
(٩) هو: سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري، من بني ثور بن عبد مناة، من مضر، أبو عبد الله: أمير المؤمنين في الحديث. كان سيد أهل زمانه في علوم الدين والتقوى. ولد ونشأ في الكوفة، وراوده المنصور العباسي على أن يلي الحكم، فأبى وخرج من الكوفة، فسكن مكة والمدينة. ثم طلبه المهدي، فتوارى. وانتقل إلى البصرة فمات فيها مستخفيا. له من الكتب: الجامع الكبير، والجامع الصغير.
ينظر: ثقات ابن حبان: ٦/ ٤٠١)، و (التاريخ الكبير: ٦/ ٤٠١)، و (الجرح والتعديل: ٤/ ٢٢٢).
(١٠) هو: محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى يسار، وقيل: داود بن بلال. أنصاري كوفي. فقيه من أصحاب الرأي. ولي القضاء ٣٣ سنة لبني أمية، ثم لبني العباس. له أخبار مع أبي حنيفة وغيره. مات بالكوفة ١٤٨ هـ.
(التاريخ الكبير: ١/ ١٦٢)، و (الجرح والتعديل): (٧/ ٣٢٢)، و (الأعلام للزركلي: ٦/ ١٨٩).
(١١) هو: عبد الله بن المبارك بن واضح الحنظلي بالولاء، التميمي، المروزي أبو عبد الرحمن: الحافظ، شيخ الاسلام، المجاهد التاجر، صاحب التصانيف والرحلات. ولد سنة ١١٨ هـ، وجمع الجديث والفقه والعربية كان من سكان خراسان، ومات بهيت (على الفرات) منصرفا من غزو الروم سنة ١٨١ هـ. له كتاب في: الجهاد.
ينظر: (ثقات ابن حبان: ٧/ ٧)، و (التاريخ الكبير: ٥/ ٢١٢)، و (الأعلام للزركلي: ٤/ ١١٥).