للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وذكر في «المحيط» (١): أنه لا يقضي السنة بعد الزوال وإن تركها مع الفرض من غير ذكر الخلاف، ومن أدرك من الظهر ركعة ولم يدرك الثلاث فإنه لم يصلِّ الظهر في جماعة، وقال محمد رحمه الله: قد أدرك فضل الجماعة، فإن قلت: الاختلاف إنما يكون عند اتحاد الموضوع، ثم ذكر أيضًا (٢) قولهما في صلاة الظهر في جماعة، وقول محمد في إدراك فضل الجماعة، وهما متغايران في الوضع، فلا يتحقق الاختلاف بذلك (٣).

قلت: تخصيص ذكر محمد رحمه الله ليس لبيان الاختلاف فيما/ بينهم، فإنهم اتفقوا في الوضعين، وهو أنه لم يصلّ الظهر في جماعة، وأنه أدرك فضل الجماعة وإنما خصّ قول محمد لشبهة ترد على قوله. وقد ذكر في «الجامع الصغير» لقاضي خان (٤)، فقال: أما فائدة (٥) قوله: لم يصلّ الظهر في جماعة أنه لو حلف، وقال: إن صليت الظهر مع الإمام فعبده حرّ، فأدرك ركعة مع الإمام، ولم يدرك الثلاث لا يحنث؛ لأن شرط حنثه أن يصلي الظهر مع الإمام، وقد صلى ثلاث ركعات بدون الإمام، والمسبوق فيما يقضي كالمنفرد، ولأنه فاتته ركعة مع الإمام، وصلى ثلاث ركعات معه، فعلى ظاهر الجواب لا يحنث؛ لأنه لم يصلّ الكل مع الإمام. وذكر شمس الأئمة السرخسي رحمه الله: يكون حانثًا؛ لأنه صلى الأكثر مع الإمام وللأكثر حكم الكل، ولو قال: عبده حر إن أدرك الظهر مع الإمام حنث، وإن أدركهم قعودًا؛ لأن بإدراك البعض يسمى مدركًا قال عليه السلام: «من أدرك ركعة من الفجر قبل طلوع الشمس فقد أدركها» (٦)، وقال محمد: في المسألة الأولى، فقد أدرك فضل الجماعة، وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف أيضًا، وإنما خصّ قول محمد؛ لأنه لا شبهة في قولهما إنما الشبهة في قول محمد، فإن على قولهما إذا أدرك الإمام في الجمعة في القعدة كان مدركًا للجمعة حتى يصلي ركعتين، وعلى قول محمد يصلي أربعًا، ويكون مدركًا للجمعة محرز ثوابها لما ذكرنا أن إدراك الشيء إنما يكون بإدراك جزء منه، وقال عليه السلام: «ما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فاقضوا» (٧)، وإنما يصلي أربعًا احتياطًا، ولهذا يقرأ في كل ركعة بفاتحة الكتاب، وسورة، ويقعد في الثانية لا محالة احتياطًا، ولو لم يكن مدركًا للجمعة لصلى أربعًا كما يصلي الظهر، ومن المتأخرين من قال على قول محمد المسبوق لا يكون مدركًا فضيلة أداء الصلاة بجماعة؛ لأنه لم يؤد الصلاة بجماعة بل يكون مدركًا ثواب الإدراك وفيه نظر لان صلاة الخوف لم تشرع إلا لبيان كل واحدة في الطائفتين ثواب أداء الصلاة الجماعة، وقال الفقيه أبو جعفر رحمه الله: هذه المسألة جواب لسؤال لم يذكر السؤال رجل قال: عبده حر إن صلى الظهر بجماعة فأدرك ركعة من الظهر مع الإمام ما حكمه، ولو قال: عبده حر إن أدرك الظهر بجماعة، يعني: في الأول لا يحنث، وفي الثاني يحنث، كذا ذكره الإمام المرغيناني (٨) رحمه الله. وَمَنْ أَتَى مَسْجِدًا قَدْ صَلَّى فِيهِ فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَتَطَوَّعَ قَبْلَ الْمَكْتُوبَةِ مَا بَدَا لَهُ مَا دَامَ فِي الْوَقْتِ إلا في قول الثوري والحسن أنه لا يتطوع. ذكره الإمام التمرتاشي، وقيل: هذا إشارة إلى قوله: فلا بأس بأن يتطوع إلى آخره (٩).


(١) انظر: المحيط للبرهاني: ٢/ ١٦٣.
(٢) في ب هنا بدل من أيضاً.
(٣) انظر: العناية شرح الهداية: ١/ ٤٧٩.
(٤) انظر: الجامع الصغير وشرحه النافع: ١/ ٩١.
(٥) ساقط من ب (أما فائدة).
(٦) سبق تخريجه.
(٧) سبق تخريجه.
(٨) انظر: العناية شرح الهداية: ١/ ٤٨٠.
(٩) انظر: العناية شرح الهداية: ١/ ٤٨٠، والجامع الصغير وشرحه النافع: ١/ ٩١، والبحر الرائق: ٢/ ٨١.