للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وذكر شيخ الإسلام رحمه الله سؤالًا في مسألة الترتيب، وقال: فإن قيل: العمل بخبر الواحد غير متمكن (١) إلا بعد رفع ما ثبت بخبر المتواتر؛ لأن بالخبر المتواتر ثبت الجواز كما زالت الشمس، ومتى عملنا بالخبر الواحد، وأوجبنا الترتيب رفعنا الجواز الثابت لأول الوقت بخبر الواحد، فلا يجب العمل بخبر الواحد إذ ذاك، وإذا لم يجب لم يتأخر أداء الوقتية، وهو الظهر مثلًا إلى ما بعد أداء الفائتة، وكما لو ضاق الوقت. قلنا: متى عملنا بخبر الواحد لا يفوت جواز الظهر عن وقته بل آخرنا إلى ما بعد قضاء الفائتة، ومتى لم نعمل بخبر الواحد تركناه أصلًا فكان تأخير ما ثبت بخبر المتواتر أولى من ترك ما ثبت بخبر الواحد أصلًا؛ لأن التأخير أهون من الإبطال فكان هذا أولى؛ لأنه (٢) يكون عملًا بالخبرين جميعًا بخلاف ما لو ضاق الوقت؛ لأنه يفوت الأداء أصلًا، فحينئذ كان ترك العمل بالخبر الواحد أصلًا أولى من ترك العمل بالمتواتر أصلًا (٣).

قلت: يندرج في هذا الجواب جواب ما ذكروا أصوله في مسألة الترتيب، وقالوا: لو كان وقت التذكر وقتا للفائتة لتأدي الفائتة بنية الوقتية، ولما لزمه الإيصاء بالفدية عن الفائتة إذا أدركه الموت وقت التذكر إياها، كما هو الحكم في الوقتية الثابتة بالكتاب، والخبر المتواتر، ولجاز أداء الفائتة عند احمرار الشمس؛ لأنه وقت التذكر كما جاز أداء عصر يومه؛ لأنا نقول: إن اسم الوقتي مطلقًا ينصرف إلى ما هو الوقتي بصفة الكمال، وهو من ثبت وقته بالكتاب، والخبر المتواتر، وما قلنا: بوجوب الترتيب بخبر الواحد إلا الاحتياط في العمل، والاحتياط فيما ذكروا أن لا يؤدي الفائتة بنية الوقتية لانصراف الوقتية إلى ما هو فيه لما ذكرنا، وكذلك الاحتياط في وجوب الإيصاء عن الفائتة لتقررها في ذمته بخلاف الوقتية حيث لم يخاطب بها أداء بعد، وكذلك عدم جواز قضاء الفائتة عند احمرار الشمس للاحتياط فيه أن لا يجوز لوجوب الفائتة في ذمته بصفة الكمال، فلا يؤدي في الوقت الناقص للاحتياط بخلاف عصر يومه لنقصان السبب في حقه، فيؤدي حق السبب الناقص بالأداء الناقص أو الحكم نتيجة السبب، فيثبت على حسب ثبوت السبب، فإن قيل: ما عملتم بخبر الفاتحة مثل ما عملتم بخبر وجوب الترتيب حيث قلتم: بفساد الصلاة عند ترك الترتيب، وما قلتم: بفساد الصلاة عند ترك الفاتحة مع أن كلًا منهما خبر الواحد؟


(١) - في ب ممكن بدل من متمكن
(٢) - في ب لا بدل من لأنه
(٣) انظر: مراقي الفلاح: ١/ ١٧١.