للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قلت: سلام من عليه السهو يخرج عن حرمة الصلاة عندهما مطلقًا، ولكن له عرضية العود وصلى حقيقة إلى حرمة الصلاة بالسجود للسهو ما لم يأت بشيء هو مناف للصلاة، فتلك العرضية، والصلاحية لا يرتفع لا بالنية، ولا بدون النية، وهي المعنية من التوقف، ثم ذكر في المسألة الأولى الخروج عن حرمة الصلاة مع انعدام ارتفاع عرضية العود إلى حرمة الصلاة بالسجود عند عدم نية قطع الصلاة، وذكر هاهنا أيضًا انعدام ارتفاع عرضية العود (١) عند وجود نية القطع، فكان فيهما جميعًا ذكر عدم ارتفاع عرضية العود، وصلاحيته إلى حرمة الصلاة بالسجود، فكانتا متفقتين معنًى، وإن اختلفا صورة (٢).

وقال في «المحيط» (٣): وبطلت نية القطع عندهم جميعًا أما عند محمد، فلأن هذا لم يشرع محللًا للحال، فلا يصير محللًا بقصده إذ ليس إلى العبد تغيير المشروع، وعندهما هذا السلام اعتبر محللًا على سبيل التوقف، فمتى قصد أن يجعلها محللًا على سبيل الثبات بحيث لو أتى بالسجود لا يعود إلى حرمة الصلاة، فقد قصد تغيير المشروع، فيرد عليه قصده، وقد ذكر في «الجامع الصغير» (٤) مطلقًا أنه يسجد للسهو، ولكن ذكر في الأصل هذه المسألة، وشرط لأداء السجدة شرطًا زائدًا، فقال: إذا سلم، وهو لا يريد أن يسجد لسهوه لم يكن تسليمة ذلك قطعًا حتى لو بدا له أن يسجد، وهو في مجلسه ذلك قبل أن يقوم، وقبل أن يتكلم فإنه يسجد سجدتي السهو، فكان هذا إشارة إلى أنه متى قام عن مجلسه، واستدبر القبلة لا يأتي بسجدتي السهو، وإن لم يخرج عن المسجد، وذكر بعد هذه المسألة في الأصل أن يأتي بها (٥) قبل أن يتكلم، ويخرج عن المسجد، وإن مشى وانحرف عن القبلة، وبه قال بعض المشايخ.

قوله: وَنِيَّتُهُ تَغْيِيرُ الْمَشْرُوعِ (٦)؛ لأن السجود عقيب السلام مشروع لقوله عليه السلام: «لكل سهو سجدتان بعد السلام» (٧)، فيلغو نيته كما لو نوى قطع الصلاة لكن هذا ينتقض بما إذا نوى الإشراك بالله يصير مشركًا من ساعته، وإن كانت نيته مغيّرة لا شرع المشروعات لكنا نقول النية بوصف التجرد لا تأثير لها في إبطال ما يتوقف تحققه على النية، وعمل الجوارح، والصلاة بهذه المثابة بخلاف الإيمان، فإنه في التحقق لا يفتقر إلى عمل الجوارح على ما اختاره رئيس أهل السنة أبو منصور الماتريدي رحمه الله، فإن عنده الصلاة التصديق بالجنان تكفي، والإقرار باللسان لإجراء الأحكام، قال رضي الله عنه: ولكن بقي لي فيه بعض الأشكال، وهو أن النية هنا لم توجد مجردة عن العمل لاقترانها بالتسليم الذي هو تحليل لاسيما على قولهما، والجواب عنه: أن النية المقرونة بالعمل إنما تعمل إذا لم يكن ذلك العمل المقرون به النية مستحقًّا عليه زمان اقتران النية به، والسلام زمان اقتران النية به مستحق عليه؛ لأنه يجب عليه أن يسلم حتى يتمكن من أن يسجد للسهو فلا تعمل النية فكانت النية مجردة عن العمل عن هذا التقدير، كذا في «الفوائد الظهيرية» (٨).


(١) ساقط من ب (إلى حرمة الصلاة بالسجود عند عدم نية قطع الصلاة، وذكر هاهنا أيضًا انعدام ارتفاع عرضية العود).
(٢) انظر: شرح فتح القدير: ١/ ٥١٤.
(٣) انظر: المحيط البرهاني: ٢/ ٧.
(٤) انظر: المحيط البرهاني: ٢/ ٧.
(٥) في ب بهما بدل من بها.
(٦) في ب للمشروع بدل من المشروع.
(٧) سبق تخريجه.
(٨) انظر: العناية شرح الهداية: ١/ ٥١٦، ٥١٧.