للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فإن قلت: إذا قدر على القيام ولم يقدر على الركوع والسجود ينبغي أن لا يسقط عنه فرضية القيام، وكان عليه أن يصلي قائمًا، ويومئ بالركوع والسجود.

وهو قول الشافعي -رحمه الله- (١)؛ لحديث عمران بن الحصين - رضي الله عنه - (٢): «فإن لم يستطع فقاعدًا» (٣) حيث (٤) نقل الحكم من القيام إلى القعود بشرط العجز عن القيام.

قلت: ذاك محمول على ما [إذا] (٥) كان قادرًا على الركوع والسجود حالة القيام؛ بدليل أنّه ذكر الإيماء [ثمة] (٦) حال ما يصلّى على الجنب، دلّ أنّ المراد بحالة القيام القدرة على الأركان. كذا في «مبسوط شيخ الإسلام» (٧) (٨).

صفة سجود المريض

[١٢٩/ أ] (ولا يرفع إلى وجهه شيئًا يسجد عليه) / (٩)؛ لما روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دخل على مريض يعوده فوجده يصلي كذلك، فقال: «إن قدرت أن تسجد على الأرض فاسجد، وإلا فأؤم برأسك» (١٠)، وأن ابن مسعود - رضي الله عنه - (١١) دخل على [أخيه] (١٢) عتبة (١٣) يعوده، فوجده يصلي، ويرفع إليه عودٌ فيسجد عليه؛ فنزع ذلك من يد من كان في يده، وقال: «هذا شيء عَرِّض لكم الشيطان أؤم بسجودك» (١٤)، (١٥).


(١) ينظر: الأم ١/ ٨١. محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع القرشي، المطلبي، الشافعي، الحجازي، المكي، أبو عبد الله أحد الأئمة الأربعة عند أهل السنة وإليه تنسب الشافعية. ولد بغزة بفلسطين سنة خمسين ومائة من الهجرة، توفي بمصر سنة أربع ومائتين من تصانيفه الكثيرة: «الأم»، «المسند في الحديث»، «أحكام القرآن»، «اختلاف الحديث».
ينظر: تاريخ بغداد ٢/ ٥٦، تذكرة الحفاظ ١/ ٣٢٩، معجم المؤلفين ٩/ ٣٢.
(٢) عمران بن حصين بن عبيد بن خلف بن عبد نهم بن سالم بن غاضرة، أبو نجيد الخزاعي: من علماء الصحابة. أسلم عام خيبر (سنة ٧ هـ) وكانت معه راية خزاعة يوم فتح مكة. توفي سنة ٥٢ هـ، له في كتب الحديث ١٣٠ حديثًا. ينظر: ثقات ابن حبان ٣/ ٢٨٧، الإصابة في تمييز الصحابة ٤/ ٧٠٥، سير أعلام النبلاء ٢/ ٥٠٨.
(٣) أخرجه البخاري في «صحيحه» (٢/ ٤٨)، كتاب أبواب تقصير الصلاة، باب إذا لم يطق قاعدًا صلى على جنب، رقم (١١١٧).
(٤) في (ب): "ففيه".
(٥) [ساقط] من (أ).
(٦) [ساقط] من (ب).
(٧) هو كتاب المَبْسُوط لمُحَمَّد بن الحسن الشَّيْبَانِيّ رحمه الله ويطلق عليه الأصل عند الأحناف وهو مطبوع في خمس مجلدات بتحقيق أبو الوفا الأفغاني طبعته إدارة القرآن والعلوم الإسلامية في كراتشي.
(٨) ينظر: العناية شرح الهداية ٢/ ٦، المبسوط للسرخسي ١/ ٣٩١، بدائع الصنائع ١/ ١٠٧.
(٩) ينظر: الهداية شرح البداية ١/ ٧٦.
(١٠) أخرجه البيهقي بغير هذا اللفظ في «السنن الكبرى» (٢/ ٣٠٦ - رقم ٣٤٨٤)، من حديث أبي بكر الحنفي، ثنا سفيان الثوري، عن أبي الزبير، عن جابر: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عاد مريضًا فرآه يصلي على وسادة فأخذها فرمى بها، فأخذ عودًا ليصلي عليه فأخذه فرمى به، وقال: صل على الأرض إن استطعت، وإلا فأوم إيماء، واجعل سجودك أخفض من ركوعك».
قال الزيلعي في نصب الراية: ٢/ ١٧٥: قال البيهقي: هو يعد في أفراد أبي بكر الحنفي، وقد تابعه عبد الوهاب بن عطاء عن الثوري، وهذا يحتمل أن يكون في وسادة مرفوعة إلى جبهته، ويحتمل أن تكون موضوعة على الأرض، والله أعلم، انتهى. وقال عبد الحق: رواه أبو بكر الحنفي، وكان ثقة عن الثوري عن أبي الزبير عن جابر، ولا يصح من حديثه إلا ما ذكر فيه السماع، أو كان من رواية الليث عن أبي الزبير، انتهى.
قال أبو حاتم في علل الحديث: ١/ ١١٣: الصواب عن جابر موقوف ورفعه خطأ، قيل له: فإن أبا أسامة قد روى عن الثوري في هذا الحديث مرفوعًا فقال: ليس بشيء.
وأخرج الطبراني في «المعجم الكبير» (١٢/ ٢٦٩ - رقم ٢٧٠): من حديث حفص بن سليمان، عن قيس بن مسلم، عن طارق بن شهاب، عن ابن عمر قال: «عاد النبي -صلى الله عليه وسلم- رجلًا من أصحابه مريضًا وأنا معه، فدخل عليه وهو يصلي على عود فوضع جبهته على العود فأومأ إليه فطرح العود، وأخذ وسادة، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ادعها عنك إن استطعت أن تسجد على الأرض، وإلا فأومئ إيماء، واجعل سجودك أخفض من ركوعك».
قال الهيثمي في مجمع الزوائد: ٢/ ٣٤٧ رواه الطبراني في «الكبير»، وفيه حفص بين سليمان المنقري وهو متروك، واختلفت الرواية عن أحمد في توثيقه، والصحيح: أنه ضعفه والله أعلم. وقد ذكره ابن حبان في «الثقات».
(١١) عبدالله بن مسعود بن غافل الهذلي، أبو عبد الرحمن صحابي. من أكابرهم، أسلم قديما، وهاجر الهجرتين. توفي عن نحو ستين عامًا سنة ٣٢ هـ، له ٨٤٨ حديثًا. ينظر: الإصابة في تمييز الصحابة ٤/ ٢٣٣، تهذيب الكمال ١٦/ ١٢١.
(١٢) [ساقط] من (ب).
(١٣) عتبة بن مسعود بن غافل، أخو عبد الله بن مسعود، كان قديم الإسلام، له صحبة. مات في خلافة عمر قبل ابن مسعود، أمهما أم عبد بنت هند بنت عبد بن الحارث بن زهرة بن كلاب. ينظر: الثقات لابن حبان ٣/ ٢٩٦، الإصابة في تمييز الصحابة ٤/ ٤٤٠.
(١٤) أخرجه ابن أبي شيبة في «مصنفه» (١/ ٢٤٦ - رقم ٢٨٣٥)، وعبدالرزاق في مصنفه (٢/ ٤٤٧) برقم (٤١٤٤).
(١٥) ينظر: المبسوط للسرخسي ١/ ٤٠٠، بدائع الصنائع ١/ ١٠٨.