للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأمّا شرطها: فالطهارة عن الحدث، وعن النجاسة الحقيقية، واستقبال القبلة، وستر العورة؛ وهذا لأن السّجدة ركن من أركان الصلاة، والصلاة لا تؤدّى إلا بهذه الشرائط، فكذا ركنها، وأما التحريمة فليست بشرط لها؛ لأنها لو شرطت التحريمة بشرط التحليل، فصارت السجدة صلاة [حينئذٍ] (١)، وأنها دون الصلاة، وسُنَّ التكبير في الابتداء والانتهاء للانتقال، وفي هذا انتقال من حال إلى حال.

وأمّا ركنها: فوضع الجبهة على الأرض؛ لأنها به يوجد، وركن الشيء ما يقوم به ذلك الشيء.

[وأمّا جواز: أدائها بالركوع في الصلاة على جواب القياس؛ لأدائه معنى السجود، وهو الخضوع] (٢).

وأمّا صفتها: فإنّها واجبة عندنا، وقال الشافعي -رحمه الله-: إنها سُنّة على ما نبين. كذا في «مبسوط شيخ الإسلام» (٣).

وأمّا بيان مواضعها: فهو ما عدّد في الكتاب، وقال: سجود التلاوة من القرآن أربعة عشر، وكذلك عند الشافعي -رحمه الله- أربعة عشر أيضًا، لكن في الحج سجدتان، وليس في ص سجدة. كذا في «الخلاصة الغزالية» (٤) (٥).

وعند الشافعي (٦) السجدة في حم السجدة عند قوله: {إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} (٧)، وعندنا عند آخر الآية [الثانية] (٨) عند قوله: {وَهُمْ لَا يَسْأَمُونَ} (٩)، فكان الخلاف بيننا وبينه في حق مواضع السجدة في ثلاثة مواضع احتجّ الشافعي (١٠) بأنّ في صورة الحج سجدتين؛ لحديث عقبة بن عامر - رضي الله عنه -، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «في الحج سجدتان» (١١) وقال: «فضلت الحج بسجدتين من لم يسجدهما لم يقرأهما» (١٢)، ومذهبنا مروي عن ابن عباس وابن عمر رضي الله عنهم قالا: «سجدة التلاوة في الحج هي الأولى والثانية سجدة الصلاة» (١٣) وهو الظاهر، فقد قرنها بالركوع، فقال: {ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا} (١٤) والسجدة المقرونة بالركوع سجدة الصلاة، وتأويل الحديث: فضلت الحج بسجدتين إحديهما سجدة التلاوة، والثانية سجدة الصلاة، وكذلك استدل الشافعي (١٥) على أنّ السجدة في "ص" سجدة الشكر بما رُوي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه تلا في خطبته سورة "ص" فتشزن (١٦) الناس للسجود فقال: «علام تشزنتم إنها توبة نبي» (١٧)، ولنا ما روي أن رجلًا من الصحابة قال: يا رسول الله، رأيت فيما يرى النائم كأني اكتب سورة "ص"، فلما انتهيت إلى موضع السجدة سجد الدواة والقلم، فقال -صلى الله عليه وسلم-: «نحن أحق بها من الدواة والقلم» (١٨)، فأمر بها حتى تليت في [مسجد] (١٩) مجلسه وسجدها (٢٠) مع أصحابه، فإن قيل: في الحديث زيادة، وهي أنّه قال: «سجدها داود توبة ونحن نسجدها شكرًا» (٢١)، قلنا: هذا لا ينفي كونها سجدة تلاوة، فما من عبادة يأتي بها العبد إلا وفيها معنى الشكر، ومراده من هذا بيان سبب الوجوب أنه كان توبة داود - صلى الله عليه وسلم -، وإنما لم يسجدها في خطبته؛ ليتبين أنه يجوز تأخيرها، وقد روي أنه سجدها في خطبته، وذلك دليل على الوجوب، وعلى أنّها سجدة تلاوة، فقد قطع الخطبة لها. كذا في «المبسوط» (٢٢).


(١) [ساقط] من (أ).
(٢) [ساقط] من (ب).
(٣) ينظر: البحر الرائق: ٢/ ١٢٨، حاشية الطحاوي: ص ٣١٠.
(٤) ينظر: العناية شرح الهداية ٢/ ١١.
(٥) الخُلَاصَة الغزاليَّة، وتسمى خُلاصة المختصر ونقاوة المُعتصر لحجة الاسلام أبي حامد مُحَمَّد بن مُحَمَّد الغزالي (٥٠٥ هـ) الْكِتَاب مطبوع بمجلد واحد طبعته دار المنهاج بتحقيق أمجد رشيد مُحَمَّد علي.
(٦) ينظر: المهذب ١/ ٨٥.
(٧) سورة فصلت من الآية: (٣٧).
(٨) [ساقط] من (ب).
(٩) سورة فصلت من الآية: (٣٨).
(١٠) ينظر: الأم ١/ ١٣٣.
(١١) أخرجه أبو داود في «سننه» (١/ ٥٣٠)، كتاب سجود القرآن، باب تفريع أبواب السحود، رقم (١٤٠٤). قال الألباني في (صحيح وضعيف سنن أبي داود: ٣/ ٤٠٢): ضعيف.
(١٢) أخرجه الحاكم في «المستدرك» (١/ ٣٤٣ – رقم ٨٠٥)، والبيهقي في «المعرفة» (٣/ ٢٤٧ - رقم ٤٤٤٦). قال الزيلعي في (نصب الراية: ٢/ ١٧٩): قال الحاكم: هذا حديث لم نكتبه مسندًا إلا من هذا الوجه، وعبد الله بن لهيعة أحد الأئمة، إنما نقم عليه اختلاطه في آخر عمره، انتهى. وسكت عنه الذهبي في «التلخيص».
(١٣) أخرجه البيهقي في «المعرفة» (٣/ ٢٤٤ - رقم ٤٤٣٣). بلفظ عن ابن عباس، أنه قال: «في سجود الحج الأولى عزمة، والأخرى تعليم». وفيه عبد الأعلى الثغلبي وهو ضعيف.
قال الزيلعي في (نصب الراية: ٢/ ١٨٠): وأخرج الحاكم في المستدرك (٢/ ٤٢٣): عن ابن عباس أنه قال: «في الحج سجدتان»، وأخرج عن عمر. وابن عمر. وعبد الله بن مسعود. وعمار بن ياسر. وأبي موسى. وأبي الدرداء رضي الله عنهم، أنهم سجدوا في الحج سجدتين، انظر: شرح السنة، للبغوي (٣/ ٣٠٥).
(١٤) سورة الحج من الآية: (٧٧).
(١٥) ينظر: الحاوي في فقه الشافعي (٢/ ٢٠١).
(١٦) في الهامش: «أي: تهيوا».
(١٧) أخرجه أبو داود في «سننه» (١/ ٥٣٢)، كتاب سجود القرآن، باب السجود في "ص"، رقم (١٤١٢)، من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه. قال الألباني في (صحيح أبي داود: ٥/ ١٥٤): صحيح.
(١٨) أخرجه أحمد في «مسنده» (٣/ ٧٨ - رقم ١١٧٥٨)، من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه. قال الألباني في (ضعيف الترغيب والترهيب: ١/ ٢١٧): ضعيف.
(١٩) [ساقط] من (أ).
(٢٠) في (ب): "وسجد".
(٢١) أخرجه الطبراني في «المعجم الكبير» (١٢/ ٣٤ - رقم ١٢٤١٦)، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما. قال الألباني في (الجامع الصغير وزيادته: ص ٦٠٠): صحيح.
(٢٢) ينظر: المبسوط للسرخسي: ٢/ ٩ - ١١.