للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قلت: لا تنافي بينهما من حيث المعنى فيما نحن فيه، فإن هذا أمر موجب في نفسه، ولكن يتوقّف أثر إيجابه إلى شيء آخر، وهو التلاوة كالأمر بالصلاة موجب في نفسه، ولكن يتوقف إيجابه في الظاهر إلى دلوك الوقت (١)، وما قالوا: إن الأمر طلب؛ لتفريغ الذمة عن الواجب، أي: يظهر أثر إيجابه في حق طلب تفريغ الذمة عن الواجب فيما إذا ثبت ذلك الشيء بسبب آخر كـ: دلوك الشمس، وكذلك الأمر هاهنا موجب للسجدة قبل التلاوة، ولكن يتوقف أثر إيجابه إلى شيء آخر وهو التلاوة أو السّماع شرعًا.

فإن قلت: لو كانت هي واجبة لما أديّت [في سجدة الصلاة وركوعها، ولما تداخلت كالسجدة الصَّلبية، وسجدتي السهو، ولما أُدّيت] (٢) بالإيماء حين قرأها راكبًا على الدابة مع قدرته على النزول، كما إذا أدركه وقت الصلاة، وهو راكب حيث لا يجوز الصلاة راكبًا بدون العذر، وكما إذا نذر أن يصلي ركعتين وهو راكب لم يجز أن يؤديهما على الدابة من غير عذر.

قلت: أداؤها في ضمن شيء آخر لا ينافي وجوبها في نفسها كالوضوء، وهو فرض في نفسه يتأدّى بالغسل للتبرد، وكالسعي إلى الجمعة يتأدّى بالسَّعي إلى التجارة، أو إلى أمر هو معصية، والمعنى فيه ما عُرف أنّ سجدة التلاوة ليست بمقصودة في نفسها، بل المقصود منها إظهار الخشوع لله تعالى، وذلك يحصل في ضمن الركوع، والسجود للصلاة؛ لأنهما لإظهار الخشوع والخضوع، فصارت كالسَّعي إلى الجمعة.

وأمَّا [السجدة] (٣) الصلبية فمقصودة، فلا يتأدّى في ضمن شيء آخر مثلها، وكذلك سجدتا السهو؛ لأنهما لجبر النقصان، فلو قلنا: بالتداخل فيها؛ لكان الجابر والمجبور واحدًا، وهو لا يصحّ، ولأنّ محلّ سجدتي السهو آخر الصلاة، فلا يؤديان في ضمن شيء قبل آخرها (٤).

[١٣٢/ أ] وأمّا جواز أدائها بالإيماء حين قرأها راكبًا؛ لأنه أدّاها كما التزمها،/ فتلاوته على الدابة شروع فيما يجب [به] (٥) السجدة، فكان نظير من شرَع على الدّابة في التطوّع وأداه، فكما يجوز هناك يجوز هاهنا (٦)، بخلاف النذر، فإنّه ليس بشروع في أداء الواجب، فكان الوجوب بالنذر مطلقًا، فيعتبر بما وجب بإيجاب الله تعالى، وكذلك إدراك وقت الصلاة، وهو راكب لما أنّ ذلك ليس بشروع في أداء الواجب، والوجوب فيها مطلق، فكان محمولًا على الكمال، وبشر (٧) وإن كان لا يجُيز أداء سجدة التلاوة راكبًا مع أنَّ التلاوة وقعت في تلك الحال، فهو محجوج بما ذكرنا هذه فوائد مقتبسة من «المبسوط» (٨)، و «جامع الصغير» لفخر الإسلام (٩)، و «الأسرار» (١٠).


(١) في (ب): "الشمس".
(٢) ما بين معكوفين ساقط من (ب).
(٣) [ساقط] من (ب).
(٤) ينظر: البحر الرائق: ٢/ ١١٦.
(٥) [ساقط] من (أ).
(٦) في (ب): "هنا".
(٧) بشر بن غياث بن أبي كريمة عبد الرحمن المريسي، العدوي بالولاء، أبو عبد الرحمن: فقيه معتزلي عارف بالفلسفة، يرمى بالزندقة. وهو رأس الطائفة (المريسية) القائلة بالإرجاء، وإليه نسبتها. أخذ الفقه عن القاضي أبي يوسف، وقال برأي الجهمية، وأوذي في دولة هارون الرشيد. وكان جده مولى لزيد بن الخطاب. وقيل: كان أبوه يهوديًّا. وهو من أهل بغداد ينسب إلى (درب المريس) فيها. عاش نحو ٧٠ عامًا. له تصانيف. ينظر: تاريخ بغداد: ٧/ ٥٦، سير أعلام النبلاء: ١٠/ ١٩٩، لسان الميزان: ٢/ ٢٩.
(٨) ينظر: المبسوط للسرخسي: ٢/ ٦ - ٧.
(٩) ينظر: الجامع الصغير وشرحه النافع: ص ١٠٢.
(١٠) ينظر: كشف الأسرار: ١/ ٤١، شرح فتح القدير: ٢/ ١٣.