للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والثاني: في البرّ، وهو يقطع بيوم أو بيومين، فإنّه إذا ذهب في طريق الماء ترخّص، وفي البرّ لا، ولو انعكس التقدير ينعكس الحكم أيضًا، وكذلك لو اختلف الطريقان في البرّ يثبت الحكم بحسب ذلك أيضًا (١).

وقال في «المحيط» (٢): في مصر له طريقان:

[١٣٦/ أ] أحدهما: مسيرة يوم، والآخر مسيرة ثلاثة أيام ولياليها إن أخذ في الطريق الذي هو مسيرة يوم لا يقصر/ الصلاة، ولو (٣) أخذ في الطريق الذي هو مسيرة ثلاثة أيام ولياليها قصر الصلاة.

(فأمّا المعتبر في البحر ما يليق بحاله) (٤)، أي: يعتبر ثلاثة أيام ولياليها في السيّر في البحر بعد أن كانت الرياح مستوية لا عالية، ولا ساكنة كما في الجبل، فإنه يعتبر ثلاثة أيام ولياليها في السّير في الجبل، وإن كانت تلك المسافة في السّهل يقطع بما دونها. كذا في «الخلاصة» (٥).

(وفرض المسافر في [الصلاة] (٦) الرباعية ركعتان لا يزيد عليهما) (٧).

وفي «المبسوط» (٨): القصر عزيمة في حق المسافر عندنا، وقال الشافعي (٩) -رحمه الله- رخصة، واستدلّ بقوله تعالى: {فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ} (١٠)، فهو تنصيص على أنّ أصل الفريضة أربع، والقصر رخصة.

وفي «مبسوط شيخ الإسلام» -رحمه الله-: شرع القصر بلفظ (١١) لا جناح، وهو يذكر للإباحة لا للوجوب، كما قال تعالى: {لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ} (١٢)، فدلّ أنّ القصر مباح وليس بواجب، ولما كان مباحًا كان المسافر فيه بالخيار.

وعن عمر - رضي الله عنه -: أشكلت عليّ هذه الآية، فسألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلت: ما بالنا نقصر وقد آمنا ولا نخاف شيئًا، وقد قال الله تعالى: {إِنْ خِفْتُمْ} (١٣)، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إنها صدقة تصدق الله بها عليكم، فاقبلوا صدقته» (١٤)، (١٥)، فقد علّق القصر بالقبول، وسمّاه صدقة، والمتصدق عليه يتخيّر في قبول الصدقة، فلا يلزمه القبول حتمًا فيما هو من الأركان الخمس فكذا هذا، ولأن هذه رخصة شرعت للمسافر، فيتخيّر فيها كما في الصّوم، وكما في الجمعة مع الظهر، ولأنّه لو اقتدى بالمقيم صار فرضه أربعًا، ولو كان ركعتين كان لا يتغيّر [فرضه] (١٦) لأجل المقيم (١٧).


(١) ينظر: العناية شرح الهداية ٢/ ٣٠.
(٢) ينظر: المحيط البرهاني: ٢/ ٨٤.
(٣) في (ب): " وإن".
(٤) ينظر: المحيط البرهاني: ٢/ ٨٢.
(٥) ينظر: العناية شرح الهداية ٢/ ٣٠، ٣١.
(٦) [ساقط] من (أ).
(٧) ينظر: المحيط البرهاني: ٢/ ٨٢.
(٨) ينظر: المبسوط للسرخسي: ١/ ٤٣٩.
(٩) ينظر: الحاوي في فقه الشافعي: ٢/ ٣٥٩.
(١٠) سورة النساء من الآية: (١٠١).
(١١) في (ب): "لفظة".
(١٢) سورة البقرة من الآية: (٢٣٦).
(١٣) سورة النساء من الآية: (١٠١).
(١٤) أخرجه مسلم في «صحيحه» (١/ ٤٧٨)، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب صلاة المسافرين وقصرها، رقم (٦٨٦).
(١٥) قال القرطبي: {إِنْ خِفْتُمْ} خرج الكلام على الغالب، إذ كان الغالب على المسلمين الخوف في الأسفار؛ ولهذا قال يعلى بن أمية قلت لعمر: ما لنا نقصر وقد أمنا. قال عمر: عجبت مما عجبت منه فسألت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن ذلك فقال: "صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته ". قلت: وقد استدل أصحاب الشافعي وغيرهم على الحنفية بحديث يعلى بن أمية هذا فقالوا: إن قوله: "ما لنا نقصر وقد أمنا "دليل قاطع على أن مفهوم الآية القصر في الركعات. قال الكيا الطبري: ولم يذكر أصحاب أبي حنيفة على هذا تأويلا يساوي الذكر؛ ثم إن صلاة الخوف لا يعتبر فيها الشرطان؛ فإنه لو لم يضرب في الأرض ولم يوجد السفر بل جاءنا الكفار وغزونا في بلادنا فتجوز صلاة الخوف؛ فلا يعتبر وجود الشرطين على ما قال. وفي قراءة أبي "أن تقصروا من الصلاة أن يفتنكم الذين كفروا "بسقوط "إن خفتم". والمعنى على قراءته: كراهية أن يفتنكم الذين كفروا، {إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا} الآية على هذا تضمنت قضيتين وحكمين. فقوله: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ} يعني به في السفر؛ وتم الكلام، ثم ابتدأ فريضة أخرى فقدم الشرط؛ والتقدير: إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة. والواو زائدة، والجواب {فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ}. وقوله: {إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِينًا} اعتراض. وذهب قوم إلى أن ذكر الخوف منسوخ بالسنة، وهو حديث عمر إذ روى أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال له: "هذه صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته". قال النحاس: من جعل قصر النبي -صلى الله عليه وسلم- في غير خوف وفعله في ذلك ناسخًا للآية فقد غلط؛ لأنه ليس في الآية منع للقصر في الأمن، وإنما فيها إباحة القصر في الخوف فقط. ينظر: الجامع لأحكام القرآن: ٥/ ٣٦١، ٣٦٣.
(١٦) [ساقط] من (ب).
(١٧) ينظر: العناية شرح الهداية ٢/ ٣١، ٣٢.