للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولنا ما روي عن عمر - رضي الله عنه - أنّه قال: «صلاة المسافر ركعتان، وصلاة الجمعة ركعتان تام غير قصر على لسان نبيّكم» (١)، وفي رواية: «تمام» (٢)، وعن ابن عمر رضي الله عنهما: «صلاة المسافر ركعتان من خالف السُّنة كفر» (٣).

والمعنى في المسألة: أنه ترك الركعتين الآخريين بلا بدل يلزمه، ولا إثم يلحقه، وكان تطوّعًا كسائر التطوعات.

وأمّا الجواب عن تعلّقه بالآية، قلنا: المراد من القصر المذكور فيها هو القصر في الأوصاف من ترك القيام إلى القعود، أو ترك الركوع والسجود إلى الإيماء؛ لخوف العدوّ، بدليل أنّه علّق ذلك بالخوف، فقصر الأصل غير متعلّق بالخوف بالإجماع، وإنّما هو متعلّق بالسّفر، وعندنا قصر الأوصاف عند الخوف مباح لا واجب.

وأمّا تعلّقه بحديث الصدقة، قلنا: هو دليلنا؛ لأنّه أمر [بالقبول] (٤)، والأمر للوجوب، ولأنّ هذه صدقة لواجب في الذّمة، وليس له حكم المال، فيكون إسقاطًا محضًا لا يرتد بالردّ، كالصدقة بالقصاص، والطلاق، والعتاق يكون إسقاطًا لا يرتدّ بالردّ، فكذا هذا.

فإن قيل: إنما (٥) خياره في قبول الصدقة بمنزلة رجل له قبل آخر أربعة دراهم، فتصدّق عليه بدرهمين، فإنّ المتصدق عليه إن شاء قبل الصدقة، فنفى عليه درهمان، وإن شاء ردّ الصدقة، فيكون عليه [إلا] (٦) الربع (٧)، فكذا هذا، قلنا: لا يستقيم هذا؛ لأنّه يكون نصب شريعة مفوّضًا إلى رأي العبد، كأن الله تعالى قال: اقصروا إن شئتم، وهكذا لا نظير له، وهذا لأنّ أوامر الله تعالى من ندب، أو وجوب، أو إباحة نافذة بنفسها غير متعلّقة برأي العبد؛ لأنّه لو كان معلّقًا لم يكن شرعًا للحال كالطلاق المعلّق بالمشيئة، فإنّ التعليق بالمشيئة تمليك، وليس بتعليق بخلاف [التعليق] (٨) سائر (٩) الشروط، فكان كلّ واحد من المسافرين صاحب شريعة بخلاف صدقة واحد منا، فإن ولاية الواهب على الآخر غير نافذة، فلذلك لم يثبت إلا بقبوله. كذا في «الأسرار» (١٠).


(١) أخرجه النسائي في «السنن الكبرى» (١/ ١٨٤ – ٤٩٥)، من حديث عبد الرحمن بن أبي ليلى.
(٢) أخرجه النسائي في «سننه» (٣/ ١٨٣)، كتاب صلاة العيدين، باب عدد صلاة العيدين، رقم (١٥٦٦)، من حديث عبد الرحمن بن أبي ليلى. وقال الألباني في (صحيح وضعيف سنن النسائي: ٤/ ٢١٠): صحيح.
(٣) أخرجه البيهقي في «السنن الكبرى» (٣/ ١٤٠ – رقم ٥٢٠٢)، من حديث صفوان بن محرز. قال الألباني في (صلاة التراويح: ص ٤٣): أثر صحيح.
(٤) [ساقط] من (ب).
(٥) في (ب): "أما".
(٦) [ساقط] من (ب).
(٧) في (ب): "ربع".
(٨) [ساقط] من (ب).
(٩) في (ب): " بسائر".
(١٠) كشف الأسرار: ٢/ ٤٧٠، ٤٧١.