للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قلنا: لا يصحّ هذا؛ لأنّه دخل مكة للحج، ومن دخل مكة للحج لابدّ أن ينوي الإقامة حتى يقضي حجه، وقضاء حجه فيما ذكرنا كان أكثر من أربعة أيام، ومع ذلك كان يقصر، فأمّا تعلّقه بالآية، قلنا: هو متروك الظاهر بالإجماع لما أنّ السّفر يزول بنفس الإقامة، ثم يباح القصر. وأمّا الحديث: قلنا: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - إنّما قدّر [بهذا؛ لأنه] (١) علم أن حوائجهم كانت ترتفع في هذه المدة، لا لتقدير أدنى مدّة الإقامة، وأما دعوى الاحتياط قلنا: هذا مشكل بما لو نوى الإقامة ثلاثة أيام، أو أقل لا يصير مقيمًا، وإن كان الاحتياط فيه، ولأنّ في التمليك ترك الاحتياط من وجه، فإنّه متى ترك القعدة الأولى يجزئه صلاته، فالاحتياط أن يؤخذ فيه بالفساد، فكان معنى الاحتياط مما يتعارض هاهنا، ثم ما قلناه (٢) أوفق للقياس؛ لأنّ الإقامة أصل كالطهر والسّفر عارض كالحيض، ثم يثبت أن أقلّ الطهر خمسة عشر يومًا، فكذا الإقامة مع أنّ ما قاله الشافعي (٣) -رحمه الله- خلاف الإجماع. هكذا قاله الطحاوي (٤)، فإنّه لم يُنقل عن أحدٍ قبله بأن يصير مقيمًا بنيّة أربعة أيام. كذا في «مبسوط شيخ الإسلام» (٥).

(لأنّهما مدّتان موجبتان إلا أنّ الطهر إيجابه في الأصل، والإقامة في القدر بالتكميل، والأثر في مثله كالخبر) (٦) أي: قول الصحابي في المقدرات التي لا يهتدي إليها العقل، كالمروي من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ لأنّه لما لم يهتد إليه العقل لا يمكن القول فيه بالرأي، فكان قولهم ضرورة معتمدًا على ما سمعوا من النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولا يقال: كيف؟ قال: هذا مع أنه قال فيه معنًى معقول، وهو إلحاقها بالطهر بجامع الموجبية؛ لأنّا نقول ذلك إظهار معنًى بعد ثبوت أصله بالأثر لا أن يثبت أصله بالدليل المعقول؛ لأنه لا يهتدي إليه العقل، فكان هذا من قبيل ترجيح أحد الأمرين لموافقته القياس (٧).

(والتقييد بالبلدة والقرية يشير إلى أنه لا يصحّ منه الإقامة في المفازة، وهو الظاهر) (٨) أي: الظاهر من الرواية، وهذا احتراز عما روي عن أبي يوسف -رحمه الله- أن الرعاة إذا نزلوا موضعًا كثير الكلأ والماء، ونووا الإقامة خمسة عشر يومًا والماء والكلأ يكفيهم لتلك المدة صاروا مقيمين، وكذا التراكة والإعراب، ولكن ظاهر الرواية هو أنّ نية الإقامة لا تصح إلا في موضع


(١) في (ب): " بهذه الآية".
(٢) في (ب): "قلنا".
(٣) ينظر: العزيز شرح الوجيز – الرافعي: ٤/ ٤٤٨.
(٤) ينظر: حاشية الطحاوي: ص ٢٨٠.
(٥) ينظر: الجوهرة النيرة: ١/ ٨٦.
(٦) ينظر: الهداية شرح البداية: ١/ ٨٠.
(٧) ينظر: العناية شرح الهداية ٢/ ٣٥.
(٨) ينظر: الهداية شرح البداية: ١/ ٨٠.