للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الخصّ: بيت من قصب، ذكره في «المغرب» (١) (٢)، وفيه السُّنة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال أنس - رضي الله عنه -: «إنّ النبي - صلى الله عليه وسلم - صلّى الظهر بالمدينة أربعًا، وصلّى بذي الحليفة ركعتين» (٣). كذا في «المصابيح» (٤).

[١٣٧/ أ] (ولا يزال على [حكم] (٥) السّفر حتّى ينوي الإقامة في بلده، أو قرية خمسة عشر يومًا) (٦)، وهذا عندنا، وقال الشافعي (٧) -رحمه الله-: إذا نوى إقامة أربعة أيام صار مقيمًا لا يباح له القصر، وقال أيضًا في قول: إذا أقام أكثر من أربعة أيام صار (٨) مقيمًا، وإن لم ينو الإقامة، فكان الخلاف بيننا وبينه في موضعين: أحدهما: في قدر نية الإقامة./

قوله تعالى: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ} (٩) الله تعالى أباح القصر بالضرب في الأرض (١٠)، فمفهومه يقتضي أنه متى ترك الضرب والسير لا يباح له القصر إلا أنا تركنا مفهوم الآية في أقلّ من مدة أربعة أيام بدليل الإجماع، فبقي الباقي على ظاهره، واستدلّ أيضًا بما رُوي: «أنّ النبي - صلى الله عليه وسلم - رخّص للمهاجرين في المُقام بمكة بعد قضاء المناسك ثلاثة أيام» (١١)، فهو دليله على أن بالزيادة على ذلك يثبت حكم الإقامة، وروي عن عثمان - رضي الله عنه - مثل مذهبه، ولما اختلفت الصحابة كان الأخذ بقول عثمان أولى للاحتياط، واحتج أصحابنا بما روى مجاهد عن ابن عباس وابن عمر رضي الله عنهما، أنهما قالا: «إذا دخلت بلدة وأنت مسافر، وفي عزمك أن تقيم بها خمسة عشر يومًا فأكمل الصلاة، وإن كنت لا تدري متى تظعن فاقصر» (١٢)، وروى جابر (١٣): «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دخل مكة صبيحة يوم الرابع من ذي الحجّة وخرج إلى منى يوم التروية» (١٤)، وقد كان يقصر الصلاة، وقد أقام أكثر من أربعة أيام، فإن قيل: الحديث محمول على ما إذا لم ينو الإقامة، وعندنا بدون [نية] (١٥) الإقامة لا يصير مقيمًا بأربعة أيام (١٦).


(١) كتاب المُغْرِب في ترتيب المعرب لإبي الفتح ناصر الدين بن عبد السيد بن علي بن المطرز حقق الْكِتَاب محمود فاخوري وعبدالحميد مختار وطبعته مكتبة أسامة بن زيد في سوريا يقول في مقدمة الْكِتَاب ترجمتُه بكتاب "المُغْرِب في ترتيب المُعْرب" لغرابة تصنيفه ورصانة ترصيفه وإلى الله سبحانه وتعالى أبتهل في أن ينفعني به وأئمةَ الإسلام ويجمعني وإياهم ببركات جمعه في دار السلام.
(٢) (١/ ٢٥٧ - مادة "خصص").
(٣) أخرجه البخاري في «صحيحه» (٢/ ١٣٨)، كتاب الحج، باب من بات بذي الحليفة حتى أصبح، رقم (١٥٤٧). ومسلم في «صحيحه» (١/ ٤٨٠)، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب صلاة المسافرين وقصرها، رقم (٦٩٠).
(٤) ينظر: مشكاة المصابيح: ١/ ٤٢١.
(٥) [ساقط] من (ب).
(٦) ينظر: الهداية شرح البداية: ١/ ٨٠.
(٧) ينظر: المجموع شرح المهذب: ٤/ ٣٦٢.
(٨) في (ب): " كان".
(٩) سورة النساء من الآية: (١٠١).
(١٠) قال القرطبي: اختلفوا متى يقصر، فالجمهور على أن المسافر لا يقصر حتى يخرج من بيوت القرية، وحينئذ هو ضارب في الأرض، وهو قول مالك في المدونة. ولم يحد مالك في القرب حدًا. وروي عنه إذا كانت قرية تجمع أهلها فلا يقصر أهلها حتى يجاوزوها بثلاثة أميال، وإلى ذلك في الرجوع. وإن كانت لا تجمع أهلها قصروا إذا جاوزوا بساتينها. وروي عن الحارث بن أبي ربيعة أنه أراد سفرًا فصلى بهم ركعتين في منزله، وفيهم الأسود بن يزيد وغير واحد من أصحاب ابن مسعود، وبه قال عطاء بن أبي رباح وسليمان بن موسى. قلت: ويكون معنى الآية على هذا: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ} أي إذا عزمتم على الضرب في الأرض. والله أعلم. وروي عن مجاهد أنه قال: لا يقصر المسافر يومه الأول حتى الليل. وهذا شاذ؛ وقد ثبت من حديث أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى الظهر بالمدينة أربعًا وصلى العصر بذي الحليفة ركعتين. أخرجه الأئمة، وبين ذي الحليفة والمدينة نحو من ستة أميال أو سبعة. ينظر: الجامع لأحكام القرآن: ٥/ ٣٥٦.
(١١) أخرجه مسلم في «صحيحه» (٢/ ٩٨٥)، كتاب الحج، باب جواز الإقامة بمكة للمهاجر منها، رقم (١٣٥٢)، من حديث العلاء بن الحضرمي.
(١٢) قال الزيلعي: هو مأثور عن ابن عباس. وابن عمر رضي الله عنهم، والأثر في مثله كالخبر، وقد أخرجه الطحاوي عنهما. ينظر: نصب الراية: ٢/ ١٨٣.
(١٣) جابر بن عبد الله بن عمرو الخزرجي الأنصاري السلمي: صحابي، من المكثرين في الرواية عن النبي صلى الله عليه وسلم، روى له البخاري ومسلم. توفي سنة ٧٨ هـ في المدينة. ينظر: الثقات لابن حبان: ٣/ ٥١، الإصابة في تمييز الصحابة: ١/ ٤٣٤، تهذيب الكمال: ٤/ ٤٤٣.
(١٤) أخرجه أحمد في «مسنده» (٣/ ٣٦٦ – رقم ١٤٩٨٦)، مطولًا، قال شعيب الأرنؤوط: حديث صحيح، وإسناده حسن في المتابعات والشواهد لأن فيه الربيع بن صبيح فإنه يعتبر به.
(١٥) [ساقط] من (ب).
(١٦) ينظر: العناية شرح الهداية ٢/ ٣٤، ٣٥، المبسوط للسرخسي: ١/ ٤٣٣.